كتاب "ثرثرة فوق دجلة؛ حكايات التبشير المسيحي في العراق 1900-1935م"، بعد اجتماعات طويلة ومكثفة في بداية عام 1889م بأحد كنائس مدينة "نيو برونزويك" بولاية نيوجرسي بالولايات المتحدة الأمريكية، صادق مجموعة شبان أمريكان متحمسين على تأسيس منظمة تدعى "الإرسالية الع
أنت هنا
قراءة كتاب ثرثرة فوق دجلة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
وفي الليل فإن الهواء يتخلله عواء كريه لابن آوى الذي كان يقترب جداً كلما اقتربنا من الساحل· كانت قطعان الأغنام تأتي مرتين في اليوم إلى حافة النهر لكي تشرب، وبينما كنا نسير عبر النهر رأيت بعض الأغنام منحشرة في الطين حيث لم تتمكن من الوصول إلى الحافة· وكم كانت الأغنام بائسة في صياحها، ولكن كم كان الصِّبية الرعاة سريعين في إنقاذها!
لقد وصلنا إلى الشطرة بعد فترة من غروب الشمس، وكالعادة حصلنا على مكان نأوى فيه في النزل الموجود· وهذه المدينة كبيرة في حجمها ولذلك بقينا فيها أربعة أيام· وبسرعة أقمنا صداقات مع الذين جرت معهم مناقشات طيبة في غرفتي في النزل أو في المقهى·
وقام ميشا بمجهودات كبيرة بعرض كتبه للبيع لكنها تعرضت للهجوم مثل المدينة السابقة· فقد قام الناس بحذفها وتمزيقها ورميها في الهواء·
ولكن مرة أخرى استطاع بصبره وإخلاصه الشرقي جمع أوراق الكتب بعد ذلك حتى استطاع ترتيب صفحاتها، وبينما كان يجمع الكتب تحولت الريح إلى صالحه، وعندها قام رجل جرئ من بين العرب وأخذ الكتاب المقدس وبدأ يقرأه، وشجع تصرف هذا العربي غيره من العرب، ورغم ذلك فإنه تم دعوة العرب بالمدينة إلى تحريم قراءة كتب الإنجيل التي يوزعها ميشا، وإن كانوا قد عاملوه معاملة ألطف هذه المرة·
وبين هؤلاء كان هناك رجل لم تكن لديه الشجاعة لشراء الإنجيل علناً، فقد جاء هذا الرجل إلى غرفتي في النزل في ساعة متأخرة من الليل، وبعد قراءة وأحاديث لبعض الوقت قام وأخذ نسختين من الأنجيل معه·
في اليوم التالي وكان يوم الأحد لم يتم بيع أي نسخ من الإنجيل·
لكن جاء حوالي أربعين شخصاً لشراء الإنجيل في نفس اليوم إلا أنهم أجلوا ذلك حتى الغد، وفي اليوم التالي جاءوا بأعداد أكبر·
لقد أشفق المبشر على هؤلاء العرب الذين جاءوا للتعرف على المسيح، فقد جلس الجميع القرفصاء وأسندوا ظهورهم على الجدار، وتجمعت أحذيتهم البالية في أكوام أمام مدخل إقامتنا، وكل واحد منهم كان يقرأ بصوت عالٍ في نفس الوقت· كما أن الكثير من الموظفين الأتراك والجنود جاءوا إلينا أيضاً وبعضهم غادروا المكان وهم يخفون الإنجيل تحت ثيابهم حتى لا يكتشفهم الملالي في الخارج·
وبينما كنت في المقهى واجهني أحد العرب بقوله: لماذا تأتون إلى هنا ومعكم كتبكم؟ نحن لا نريدها· لكن محاولاتكم المستمرة هي تشبه من يحاول سحب حجر البئر بواسطة الحبل!
وقد شعرت من هذا الكلام أن قلوب المسلمين ليست سهلة لفتحها أو إقناعها·
وكنا نود البقاء مدة أطول في مدينة الشطرة، ولكننا آثرنا الرحيل· وبدأنا المغادرة متجهين إلى الناصرية·
وفي طريقنا إلى الناصرية فوجئنا بوابل من المطر ينهمر فوق رؤوسنا بينما نحن في شهر مارس، ولكننا استطعنا الحصول على ملجأ يقينا من المطر في جانب الطريق وكان هذا الملجأ هو كوخ لأحد العرب، ونمنا ليلة في سفينة البيلم الذي كان يتسع لنوم ستة أشخاص بالكاد· وهذا العدد كان يشمل البحارة الثلاثة وميشا موزع الكتب وعبدعلي خادمي، وأنا· وبعد رحلة مثيرة وصلنا سالمين إلى الناصرية·
ومع الأسف كان وصولنا إلى الناصرية يعني نهاية كل حركة ونشاط في أجسادنا أو ما تبقى منها في الرحلة فقد أنهكنا التعب والجوع تماماً·
فبسبب شوقنا الشديد للطعام والشراب الخاص بنا والذي افتقدناه طوال أسبوعين من الرحلة، بسبب ذلك لم أطق صبراً وقمت باستعجال طبخ الطعام· وحدث أن سقط قدران وهما يغليان فوق رجلي، وأصابني ذلك بحروق وحمى أقعدتني في سريري لفترة·
وفي النهاية غادرنا الناصرية بسرعة نوعاً ما ربما بسبب مرضى، وبعد خمسة أيام وصلنا إلى البصرة أخيراً·
كان حساب الرحلة باختصار هو ثلاثة أسابيع استغرقت لياليها مسافة ألف ميل!