أنت هنا

قراءة كتاب إذا الأيام أغسقت

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إذا الأيام أغسقت

إذا الأيام أغسقت

عنوان الرواية هذا هو، بحدّ ذاته، رمز لمكان كان مضيئاً ثم أخذ يدب فيه الظلام. المكان: جامعة في العراق، والظلام ينتشر في بلد الحضارات ويمتد إلى موقع تدريسها.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
كنا نسكن حي سبع قصور، وكانت دارنا مطلة على نهر دجلة، تحيطها حديقة واسعة، باشجار قديمة باسقة، وكان المشي على شاطئ دجلة صيفاً من وسائل اللهو والمتعة، فنذرع الشارع رواحاً ومجيئاً، بخطى وئيدة، نستمع خلالها الى الأحاديث المتنوعة الشيقة التي لا تقتصر على الأدب والشعر، وإنما تشتمل على أحداث الساعة وما كان يدور في البلد من مشاكل اجتماعية وسياسية·
 
وقد أثر علينا نحن البنات بصورة خاصة كل من بدر ولميعة ونازك أكثر من الآخرين، لمعرفتنا بهم عن قرب·
 
كان بدر ثائراً على الأوضاع الاجتماعية والسياسية، وبالرغم من انتمائه الى عائلة ميسورة، قرر تركها عندما أصبح عضواً بالحزب الشيوعي·وتجلت تلك النزعة الثورية في بعض القصائد التي نظمها في تلك الفترة·
 
كان نحيل الجسد، أسمر اللون، له أذنان كبيرتان، بارزتان أكثر عن المألوف، مع أنف كبير، وعينين صغيرتين، وشفتين بارزتين، لنتوء في أسنانه· فليس هنالك أي شيئ جميل في محياه· كان ذا حس مرهف، يتنازعه القلق الدائم، يحب ويعشق كل ما هو جميل حوله· فالطبيعة الجميلة والمرأة الحسناء، كان لهما دور كبير، وقد عانى بدر من الاحباط المتواصل من المرأة· وكثيراً ما كان يقع في غرام امرأة حالما يتعرّف عليها، ولكم نظم القصائد بمثل هاتيك النساء، وكم ذمهن بقصائد أخرى عندما لا يجد استجابة منهن· وكان خجولاً الى درجة مفرطة·
 
إن معرفته وإلمامه الواسع بالأدب العربي والانكليزي، ميّزه عن شعراء عصره، الذين لا يملكون في معظمهم هذه المعرفة، لذا جاءت صوره الشعرية منوّعة وعميقة، حية تنبض بالحياة· كان بدر مؤمناً بخلاص الانسانية المعّذبة، واثرت به تجربته السياسية والتزامه بالاشتراكية، لينتهي شاعراً متمرداً، حرّ التفكير، لم يتقيد بقصائده بالمفاهيم السائدة في صياغتها، وأصبح من قادة التجديد في الشعر الحديث في العالم العربي·
 
كان يميل في تلك الفترة إلى الشاعرة لميعة عباس عمارة، زميلته في دار المعلمين العالية·وقد نظم فيها عدداً من القصائد·
 
كان مفتوناً بلميعة ومتيماً بحبها، وما كان يقرؤه من قصائد في تلك اللقاءات، كان موجهاً لها، وكانت هي تعرف كيف تثير عواطفه حين ترمقه بنظراتها الساحرة، التي تخفي عشرات المعاني· كانت علاقة بدر بلميعة علاقة حب مفضوحة، بعيدة عن التكتم·
 
اما لميعة فكانت تجمع بين ذكاء الروح وجمال الجسد· طويلة القامة، نحيفة، ذات عينين جميلتين واسعتين سوداوين، وشعر فاحم· وبالرغم من أنها كانت ترتدي دائماً فستاناً أسود اللون، كانت تتألق نضارة وحيوية وشباباً· كانت نقيض بدر، فهي محدثة بارعة، ذات نكتة لاذعة· وعندما كانت تلقي قصيدة من قصائدها، فإنها تتكلم لغة الجسد، فتتغنج وتتمايل وتذوب مع الكلمات ومعانيها التي تصدر من بين شفتيها، فيرتفع صوتها تارة وينخفض تارة أخرى، فكانت تشرك كل حاسة من حواسها عند الإلقاء· جمعت بشخصيتها العذبة وأسلوبها الجذاب في قراءة الشعر سحراً كان يخيم على الحاضرين في تلك اللقاءات· كانت قصائد لميعة قصيرة ورقيقة في مضمونها، وكان الحب هو الموضوع الرئيسي لتلك القصائد·
 
أما نازك فكانت تختلف تماماً عن لميعة، لم تكن جميلة أو جذابة كلميعة، بل كانت قصيرة القامة، مملوءة الجسد، بسيطة المظهر، قليلة الكلام، وإن تكلمت فبصوت هادئ لا ترفعه إلا عندما تقرأ إحدى قصائدها· كان الحزن يغلب على محياها، وكانت نظرتها للحياة نظرة مأساوية، وانعكست تلك النظرة في قصائدها· ولكنها كانت واسعة الاطلاع، مرهفة الاحساس، ذات ثقافة أدبية عميقة، وهي تتقن اللغة الانكليزية والعربية واللاتينية والفرنسية·
 
حفظت حياة معظم شعر بدر ولميعة ونازك، وكانت تترنم بقصائدهم وهي لم تبلغ بعد سن الثانية عشرة·
 
بالاضافة الى اللقاءات الشعرية والأدبية، ثمة لقاءات يؤمها خليط آخر من المثقفين والمفكرين اليساريين، كالشاعر كاظم السماوي وجاسم الرجب وأساتذة من مدرسة شماش ودار المعلمين الريفية·
 
كان عام 1948، عاماً مضطرباً، مملوءاً بالمآسي، وقد شمل الغليان معظم البلدان العربية، لخسارتهم فلسطين في حربهم مع اليهود· وكانت تلك الخسارة بعد ولادة دولة اسرائيل، بقرار من هيئة الأمم المتحدة، بمثابة كارثة على العرب، ولم يكن الفكر العربي متهيئاً لها يومذاك، وما زالت أصداؤها سارية بعد خمسين عاماً·

الصفحات