رواية "امرأة القارورة"، للكاتب العراقي سليم مطر، على الرغم من أن هذه الرواية قد لا تكون "رواية" بالمعنى المتعارف عليه.
قراءة كتاب امرأة القارورة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
امتدت كف (آدم) إلى القارورة، وراحت أصابعه تمسدها وتمسح عنها الغبار· تساءل من أين حصل عليها أبوه: هل ورثها عن أهله أم اشتراها أم غنمها في حرب·· من يعلم؟ فكر في السّر الذي جعله يجلب هذه القارورة ويحملها معه عبر تلك المدن والأعوام· رغب ان يأخذها ليضعها بين تحفيات بيته، لكن يداه ترددتا بلمسها· خشي أنها ستكون عذراً للآخرين لأن يسألونه عن بلاده· الماضي يرعبه· كان مثل سجين هارب يتحاشى لقاء سجانه· لكني أعرف جيداً أن (آدم) مثلي، لم يمر أسبوع دون أن يعيش كابوس عودة مرعباً: حلم خانق، يجد فيه نفسه قد عاد إلى الوطن·· لا يعرف كيف حدث هذا؟ إنه بلا أوراق شرعية والجميع يطاردونه·· حتى عائلته تتجنبه لأنه سيجلب لها الدمار! لحظات من كابوس تعادل في عذاباتها ورعبها ساعات يقظة·· دماء وخوف وعيون جاحظة وحواجز عسكرية وضياع وسؤال صارخ :
كيف عدت وكيف أهرب مرة أخرى؟!
انه كابوس جميع من في المنفى· نجحنا في الهرب من سجن الماضي، ولم ننجح في جعله يهرب منا·· انه يصرخ فينا ساعات صحونا، ويستولي علينا ويحبسنا في زنازينه ساعات نومنا!
على اي حال، بينما هو في القبو أمام القارورة، انتبه إلى أصابعه تتلمس حافة غطاء قابل للتحريك· لم يكن يخطر في باله أن للقارورة جوفاً وغطاء! حرّكه واداره حتى تراخى وأخذ يرتفع· انتابه إحساس غامض من الرهبة كأنه مقبل على لقاء عزيز ينتظره منذ اعوام· كان في لهفة بدائية لإكتشاف جوفها· قال إنه سيحولهاإلى مزهرية تتدلى منها وردتان، واحدة بيضاء كحليب، واخرى حمراء كنبيذ·
فجأة، اندفع الغطاء بقوة خارج القارورة! نفذت أولا رائحة بشرية مألوفة، تشبه مزيج تعرق وعطر··· ثم بششش··· شـ·· شـ·· وإهتزت القارورة!!
خرج منها شيء ضبابي مصحوباً بصفير خافت وحزين!!
غاب عنه بصره، وتراجع· تحاشى سقطة، وتداعى على صندوق كارتوني انفطس به وحشره بين الأغراض!
قبل أن تتضح له الرؤية، سمع صوتاً إنسانياً كهمس في حلم، بث فيه قشعريرة وأفقده قواه على النهوض :
ـ سيدي·· لا تخف·· أني لك، ولأجلك·· جسدي لجسدك وروحي لروحك·· ملذات عشرات القرون والأسلاف أمنحها لك···
تدريجاً، مع همس أنثوي ناضح بغنج ورجاء، انبجس مشهد حلمي وتكشف:
أنثى بجسد عار وشعر منثور وقامة باسقة كنخلة في صحراء! خصيلات ليلكية متوهجة تجري سواقي على نهدين وحلمتين نديتين!
دهشته عقدت لسانه وجمدت تفكيره، لكنه ما فقد قدرته على إدراك الجمال:
خصرها ووركها كانا كأساً بلورية ترسبت في قعرها قطرات نبيذ حمراء·· فخذاها كانا طويلين بضين مخضبين بحمرة مداعبات شرسة!
رغم العتمـة، فإن (آدم) أبصر وجهها بوضوح: شفتين رطبتين كشريحتي بطيخ أحمر، وعينين مسبلتين برمشين كثين اسودين يحميهما حاجبان بهيئة سيفين معقوفين!
من يرى (آدم) في تلك الساعة سيتعرف بسهولة إلى ملامح غريبة ارتسمت على وجهه: حالة من يعيش خوفاً وشهوة في ذات الوقت·· كذئب يلتهم فريسته وعيناه على طلقة صياد قادمة· لكن خوف (آدم) لم يكن من موت بل من خطيئة· تجمد في حيرته· روحه استحالت إلى حلبة صراع همجي بين خوفه أن تنمسخ هذه المرأة الخرافية إلى أفعى تلتف عليه وتقصمه وتدنس بسمومها دماءه، وبين شهوته المتصاعدة لإلتهام هذا الجمال الذي تجاوز أشد الأحلام إغواءً·
إطمأن قلبه قليلاً وهو يراها تتحرك مثل بشر وتتضح بهيئة حورية في لوحة عارية من عصر النهضة· فتحت عينيها ورسمت إبتسامة طفولية ثم أمالت رأسها بغنج وأسبلت كفاً بين فخذيها وغطت بذراع نهديها· كانت قديسة حين تسبل رمشيها وتستحي، اما حين تفتح عينيها لتلتهم ما حولها فإنها ملكة داعرة!
هيئتها العجيبة جعلت (ادم) يسترجع صورة الحورية التي رسمها في خياله مع حكايات طفولته· ابوه كان يحكي عن جنة عرضها السماوات والأرض، فيها أنهار عسل وخمر ولبن، لكل مؤمن قصر فيه اربعون غرفة، وكل غرفة فيها أربعون سرير، وعلى كل سرير هناك أربعون حورية، وكل حورية من شدة جمالها وشفافيتها فإن الماء يبان وهوينساب في بلعومها! امضى عمره وهو يحلم بهذه الحورية لتمنحه لذة إحساس بالمطلق·