أنت هنا

قراءة كتاب هل يرحل المسيحيون العرب؟

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
هل يرحل المسيحيون العرب؟

هل يرحل المسيحيون العرب؟

في مقدمة كتابه "هل يرحل المسيحيون العرب؟"، يكتب الكاتب والباحث وهيب الشاعر: "بدأ اهتمامي بالبحث في المسيحية العربية بعد حشد من القراءات المتواصلة عن لبنان، حيث لعبت المسيحية دوراً مهماً في تاريخه الثريّ، والذي كان فاعلاً في تاريخ المشرق العربي في مختلف حقبا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6
ولما تزامنت المسيحية في المرحلة العربية الثانية، عند انتشارها في الهلال الخصيب ومصر وشمال أفريقيا وبعض الجيوب في الجزيرة العربية مع النهضة الحضارية العربية الأولى، انعكس ذلك على تطور اللغة العربية وآدابها وثقافتها وخاصة الشعر· وقد تمثلت تلك النهضة بالتقدم الاقتصادي الزراعي والتجارة الداخلية والخارجية وتواصلها، وبناء المدن وتطور الحرف والصناعات اليدوية· وبرزت مؤسسة الملكيّة الشخصيّة ومفاهيمها، ما أنتج سبل الطبقية بوضوح· كما برز الأمن والاستقرار الإقليمي، المتمثل بالتحالفات القبلية فيما بينها، وكذلك مع الدول الامبراطورية المحيطة بها· وقد أدى ذلك إلى نشوء مجموعة الدول العربية الأولى في اليمن وفي نجد وجنوب العراق والأنباط وغيرهم·
 
وفي المرحلة الثالثة من التاريخ العربي، انطلق الإسلام بحضارته العظيمة والشاملة، والممتدة حتى شملت الجزء الأكبر من العالم المعروف في حينه· وقد تجاوز ذلك بكثير الحدود الجغرافية للأمة العربية كما هي الآن، وخاصة بعد توسّع رقعتها، من خلال الهجرة والتعريب، وخروج المجتمعات الوافدة اليونانية والفارسية التي لم تتعرب· وقد شكّل المسيحيون العرب في الهلال الخصيب ومصر في بداية الإسلام غالبية السكان· ونتيجة لقيام المجتمع الإسلامي المتكامل حضارياً، تراجع دور القبلية في الحياة العامة كثيراً· وبالقدر الذي كان وما زال الهلال الخصيب ومصر فيه قلب الحضارة العربية وجوهرها، فقد كانت مكونات هذه الحضارة إسلامية ومسيحية طوال ألفي عام وحتى الآن، وإن بنسب متغيرة·
 
وكان بدء تفكك الدولة العربية الواحدة في المركز والأطراف فور قيامها في أواخر عصور الخلفاء الراشدين، وذلك عند تزامن صراع عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان على الخلافة· وتكرر ذلك مرة أخرى في الصراع الذي نشب بين الأمويين والعباسيين بعد ذلك بمئة عام· وتعمّق التفكك أكثر بعد القرن التاسع· فضلاً عن ذلك لوحظ انتقال للسلطة الأمنيّة والإداريّة إلى العناصر الفارسية والتركية المقيمة والمهاجرة، التي تمثلت منذ القرن العاشر بالبويهيين والسلاجقة· وتلت ذلك حملات الفرنجة الصليبيين والمغول، في القرنين الثاني عشر والثالث عشر· غير أن الهوية الاجتماعية والثقافية بقيت فيها جميعاً عربية مع مزيد من العمق والتكثيف، عبر العهود كافة باستثناء عصر الانحطاط وحتى الآن· وفي بداية هذه المرحلة تبلورت الشريعة الإسلامية بمذاهب وطرق عدة(1)؛ سنية وصوفية لا تختلف بين بعضها إلا في الهوامش· أما الشيعة فقد بدأوا مبكراً بالابتعاد والتشقق إلى مذاهب ومدارس مختلفة بعد وفاة الخليفة علي بن أبي طالب·
 
وفي المرحلة الرابعة توقف عطاء الحضارة العربية السياسي بشكل كامل، بعد أن توقف أمنياً وإدارياً، وانتقل الحكم في البلاد العربية للمماليك منذ القرن الثالث عشر بدءاً من القاهرة، ومن ثم الدولة المركزية العثمانية منذ القرن السادس عشر· وقد رافق ذلك وقبل العثمانيين تراجع أعداد المسيحيين في المشرق العربي، بسبب الاضطهاد على أيدي غير العرب من المسلمين الحكام· وسارع في تحقيق ذلك الغزو المغولي والصليبي· ثم دخل العالم العربي عصر الانحطاط والظلام والانكماش وانتعاش مؤسسة القبلية من جديد· وقد انسحب ذلك على عناصر المجتمع العربي ومكوناته كافة، وذلك بعد أن حققت الثقافة العربية مستوىً عاليًا وقياديًا على الأصعدة اللغوية والعلمية والأدبية كافة، في ظل الحياة المدنية الراقية فأوصلها إلى الذروة العالمية·
 
بدأت المرحلة الخامسة - والتي ما زالت هي الراهنة في تاريخ الأمة العربية - منذ الغزو الفرنسي لمصر وسورية قبل قرنين· وفيه استبدل الحكم العثماني بالاستعمار والاستيطان الأوروبي، رغم الكثير من حركات الاحتجاج والمبادرات الدينية السياسية كالوهابية والسنوسية والمهدية وغيرها· وفي هذين القرنين منذ تلك البداية التي أنهت عصر الانحطاط، حققت الأمة العربية بعض الإنجازات الكبيرة المتمثلة بالنهوض الاجتماعي والعددي، فتضاعف عدد أبناء الأمة أكثر من ثلاثين مرة، وانتقلت الجماهير من الريف والبادية إلى المدن· وانتعشت نتائج اللغة العربية، وأحييت الثقافة العربية فنمت واتسعت حتى انخفضت الأميّة الآن إلى الثلث، وتقاربت اللهجات المحكية مع بعضها ومع الفصحى· ورافق ذلك الكثير من مزايا الحياة الإنسانية المعاصرة· ولكن أجزاء مهمة من مظاهر تخلّف الأمة وضعفها ما زال مسيطراً· ويتلخص ذلك باغتصاب فلسطين وإقامة إسرائيل لمأسسة السيطرة الغربية وديمومتها، وبنظام الكيانات السياسية المصطنعة التابعة لأمريكا، والخاضعة للقطرية والفساد والقمع والتباعد الطبقي، رغم تحقيق الاستقلال الوطني الحقيقي أحياناً قليلة ومؤقتة·
 
ولكن الجزء الأهم في جوهر التخلف العربي يتمثل في حال الإنسان العربي، الذي يرزح تحت أمراض القبلية والطائفية والمذهبية والقطرية، وضعف الانتماء والتماسك الاجتماعي وقيمه، خاصة لدى النخب، وكذلك سطحيّة مظاهر المعاصرة والحفاظ على السلفيّة الاجتماعيّة والتقاليد المتحجرة، وعدم مواكبة الأمم الناهضة· وبالإضافة لذلك حققت أعداد المسيحيين النسبية تراجعاً كبيراً ومتسارعاً·
 
فهل المسيحي العربي مؤهل لأن يساهم في الثورة على الحال الراهنة للمواطن العربي؟ وأن يهب روحه وعقله وساعده لجهود خلاصه؟ أم هو منبوذ ومكروه مجتمعياً، ومشكوك في ارتباطه مع الغرب والأنظمة العربية الفاشلة، ومتهم بالكفر الديني، فلا يبقى له إلا القبول بالدرك الأدنى في المجتمع وفي العمل وفقدان حقوق المساواة، أو الهجرة إلى الخارج؟ أم أنها سواء من هذا وذاك، عندما يدفعه وعيه الغائب إلى الاحتجاج على هذه الحال المنغلقة، بوضع نفسه في تصرّف المصالح والأهداف والسياسات الغربية وخدمتها، أو بالانضمام إلى أجهزتها أداة تمارس مع وجدانها كره الذات واحتقارها· ومن هنا فإن هذا البحث يهدف للمساهمة في الإجابة عن هذه الأسئلة·

الصفحات