في مقدمة كتابه "هل يرحل المسيحيون العرب؟"، يكتب الكاتب والباحث وهيب الشاعر: "بدأ اهتمامي بالبحث في المسيحية العربية بعد حشد من القراءات المتواصلة عن لبنان، حيث لعبت المسيحية دوراً مهماً في تاريخه الثريّ، والذي كان فاعلاً في تاريخ المشرق العربي في مختلف حقبا
أنت هنا
قراءة كتاب هل يرحل المسيحيون العرب؟
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

هل يرحل المسيحيون العرب؟
الصفحة رقم: 8
ولم تقصّر المسيحية المشرقية في رسالتها الإنسانية، حيث نقلت العقيدة المسيحية لأوروبا، وذلك عندما كان المسيحيون العرب منخرطين في الجيوش الرومانية وخاصة الأنباط منهم، مثل الأباطرة فيليب العربي وكركلا· ولكن المسيحية في الغرب اختلفت نوعياً عندما أصبحت الكنيسة ركناً أساسياً من أركان الدولة البيزنطية في بداية القرن الرابع، ومن ثم أصبحت الباباوية الحاكمة من الفاتيكان بعد ذلك· وغرقت في المال والاستبداد نتيجة ذلك، وحتى الثورة الفرنسية·
ولم يبخل المسيحيون العرب كذلك على أشقائهم العرب المسلمين عندما شاركوا وقادوا مجالات الحياة المهنية والعلمية والفكرية والأدبية، والتي كانت في البداية شبه احتكار لهم، وخاصة في مجال الترجمة في دار المأمون للحكمة، وكذلك في الإدارة الحكومية المالية في العصور المتعاقبة·
لقد نجح العرب، بمكوناتهم الحضارية المنتشرة والشاملة، ومنها الدينية المنوعة من مسلمين ومسيحيين وكذلك يهود عرب أحياناً، بأن يقدموا للإنسانية حضارة لا تقل عن الحضارات الإنسانية الأخرى، وذلك في المستوى الراقي والثراء والانتشار الواسع، وفي دفع البشرية إلى الأمام وإلى الأعلى· فقد كان العرب حتى الدعوة الإسلامية مسيحيين ويهوداً ووثنيين· ولم تتغير الأعداد والنسب إلا ببطء شديد بعد الدعوة الإسلامية·
وكان اليهود العرب الذين نزحوا من اليمن والحجاز مع المسيحيين في فجر الإسلام إلى الهلال الخصيب ومصر، والذين كانوا أقل عدداً من المسيحيين فلم يسجل لهم التاريخ نشاطاً بارزاً في المجتمعات التي كانوا جزءاً منها·
أما يهود أوروبا الحاليون، ومنذ القرن التاسع الميلادي، فهم منحدرون من قبائل الخزر الأتراك في القوقاز، الذين اعتنقوا اليهودية مع القليل من يهود الأندلس بعد إخلائها عام 1492· وهكذا لا علاقة لهم إثنياً وثقافياً بالمسيحيين أو اليهود العرب· وهؤلاء اليهود الأوروبيون أو الاشكناز هم الذين خلقوا الفكرة والحملة الصهيونية مع دول أقرانهم الأوروبيين، الذين كان بعضهم يرمي للخلاص منهم خارج أوروبا، حيث كانوا منبوذين ويعيشون في جيتاوات مختلفة، والبعض الآخر يرمي لجعلهم قاعدة وأداة للاستعمار الغربي في العالم العربي· وقد كانت هذه الخلفية أحد أهم أسباب رفض إسرائيل من العرب مسيحيين ومسلمين كافة·
وفي القرون القليلة الماضية ورغم تراجع نسب المسيحيين الإجمالية من المجموع العربي العام، خاصة في القرن العشرين إلى ما دون العشرة بالمئة حتى الآن، وذلك في كل من الهلال الخصيب وفي وادي النيل، فقد كان أداؤهم عالياً، وخاصة في مجالات الثقافة واللغة العربية والأدب· وقد برز ذلك في سورية الطبيعية بشكل خاص، وفي مجالات الفكر والعمل السياسي القومي واليساري، وفي مجالات الاقتصاد والانتعاش الاجتماعي، والتواصل مع الحضارة الغربية· ومع تزامن الهجرة المسيحية من سورية لمصر وللعالم الجديد منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والحفاظ على التواصل بينهم وبين الوطن الأم تعاظمت مساحة عطائهم ثانية·