المجموعة القصصية "منعطفات خطرة"، للكاتبة والفنانة التشكيلية الأردنية بسمة النمري، الصادرة عام 2002 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ من أجوائها:
أنت هنا
قراءة كتاب منعطفات خطرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
منعطفات خطرة
الصفحة رقم: 2
ــ إحدى عشرة سنة
- هل تعود إلى زيارتي مرّة أخرى؟·
فوجىء بدعوتها فأجابها بلا تفكير غداً مساءً،، وإذ أدرك تسرُّعه ركض يصعد التل لاهثاً لا يلوي على شيء· كان من الصعب عليه أن يغفو بسرعة كعادته هذه الليلة، طيف الغريبة كان يلازمه، صورة وجهها لم تبرح خياله مذ رآها عن قرب للمرَّة الأولى، كم هي جميلة، تبدو مختلفة عن كل النساء اللواتي يعرفهن، لكن كان هناك حزن عميق يغلف هذا الجمال الساحر، استشعره على الرغم من سنوات عمره القليلة، نام أخيراً، نام وهو يحلم بموعد الغد·
تكررت زياراته بعد تلك المرَّة، ألفَ الصبي الغريبة وأحس بالمحبة نحوها· كانت تلاطفه وتغدق عليه من حنانها الكثير، ومن حين إلى آخر تفاجئه بهدية صغيرة تدخل الفرحة إلى قلبه الفتي، كانت تخبره عن أحداث يومها البسيطة وتشكو إليه متاعبها وأحياناً تطلب منه المساعدة، فتمتلىء نفسه بالفخر كونها تنظر إليه كرجل يُعتمد عليه فيما يصعب عليها القيام به· ثم جاء يوم تجرأ فيه وسألها عن سبب وحدتها وتباعدها عمن حولها وعن سر الأرجوحة الخالية، ندم كثيراً لمّا رأى تعابير المرارة والألم تغشى الوجه الجميل، وتكوِّن في التقاسيم الدقيقة صورة مجسمة للعذاب، أراد أن يعتذر لها ويتراجع عن سؤاله، لكنها لفّت ذراعها حوله وربتت ظهره، قرّبت رأسه منها، أوسدته كتفها وطفقت تحدثه بصوت شجي حنون يغالبه التأثر وتخنقه الدموع بين اللحظة والأخرى·
أي ولدي ·· أي صغيري الحبيب وصديقي الوحيد، تريد أن تعرف سر المرأة الغريبة، أعرف أنهم يلقبونني بهذا الاسم، كان اسمي (أم شذى) لمّا كانت (شذى)، طفلتي ذات الأشهر العشرة، وكان لي زوج، كنا إذاً أسرة صغيرة لها أحلام كبيرة، تركنا قريتنا وتوجهنا الى هذه المنطقة قبل أن يسكنها أحد، بنقودنا القليلة استطعنا أن نتملَّك هذا الحقل الذي تراه أمامك، وبنينا هذا المنزل الصغير، عمل زوجي بكدّ كي يستطيع أن يوفر لنا الحياة التي يتمناها لنا، ضاعف جهده بعد أن رزقنا الله (شذى)، وهو الذي اختار لها اسمها من وحي الأزهار البريّة الرائعة التي تفتّحت في أول الربيع مع اطلالة طفلتنا علينا، وهكذا سارت بنا الحياة حتى أطلَّ عليها الغريب!·· كيف تعلقتُ به؟··· لا أعرف، لوَّح بيده محيياً فرددت التحية، ابتسم لي فقابلته بابتسامة خلتها انبثقت من أعماق قلبي قبل أن تصل الى شفتي، ولمّا دعاني أجبته وذهبت إليه، تركت ابنتي وحيدة، صفقت الباب خلفي واندفعت لموافاة موعده، سرقني الوقت وحلَّ المساء، أدركت عندئذ حجم المصيبة، هرعت عائدة إلى المنزل وخوفي يتزايد في كل لحظة حتى كاد قلبي يتوقف عن الخفقان وأنا على عتبة المنزل، هدوء قاتل·· وحشة مقيتة·· ظلال كئيبة تتمطّى وتنشر سوادها المفزع على المنزل والساحة، على نفسي وروحي وعلى كل العالم حولي··