أنت هنا

قراءة كتاب منعطفات خطرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
منعطفات خطرة

منعطفات خطرة

المجموعة القصصية "منعطفات خطرة"، للكاتبة والفنانة التشكيلية الأردنية بسمة النمري، الصادرة عام 2002 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ من أجوائها:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
رحلة أخيرة مع الوهم
 
كان يسير أمامها مسرعاً وهي تلحق به لاهثةً، أنهكها التعب وكادت ساقاها تخذلانها، نادته ورجته أن يتمهل قليلاً كي تستطيع اللحاق به، تجاهل طلبها وأمعن في سيره مضاعفاً سرعته، أغاظتها ردة فعله فقررت أن تعانده وتجلس على حافة الطريق· بضع دقائق فقط هي كل ما تحتاج إليه كي تلتقط أنفاسها المبهورة، لكنه بقسوته المعهودة، وبرودة أعصابه المبالغ فيها كان يضن عليها بهذه الدقائق القليلة· شريط ضيق من الحشائش البرية الخضراء الندية كان يحاذي الطريق التي يسيران فيها ويفصلها عن الحقول المزروعة الممتدة أمامهما على مدى النظر· سرت في جسدها النحيل برودة محببة عند ملامسته لتلك الحشائش الرطبة فسارعت إلى خلع نعليها ورفعت كمي ثوبها كي تتيح لجسمها المكدود فرصة أكبر للإحساس بالمزيد من الانتعاش الناجم عن التصاقها بعناصر الطبيعة الحية حولها والإلتحام بها وكأنها جزء منها وامتداد لها، لكن كان عليها أن تنتشل نفسها من غمرة نشوتها وذهولها وتسرع إلى اللحاق به، فقد ابتعد عنها كثيراً، أخذت تعدو وتتعثر بحذائها الذي انتعلته على عجل، ولما صارت بمحاذاته طفقت تحدثه وتحاوره، تعاتبه حيناً وتتوسل إليه حيناً آخر، لكنه لم يستجب لها وتابع سيره دون أن يعيرها أي اهتمام· اجتاحتها موجة من القنوط فطأطأت رأسها وأخذت تجر ساقيها كارهة وتركت لخيالها العنان كي يحملها ويحلق بها عالياً في أجواء أخرى طالما حلمت بها وتمنت لو تصطبغ أحداث حياتها ببعض من ألوانها المشرقة، لكن كيف وهو ما زال يتقدمها وعليها أن تلحق به شاءت أو لم تشأ، حتى النهاية·
 
··· هل كان هذا قدرها أم خيارها؟··· لا تدري، فكل الأمور تبدو لها مبهمة لا يطالها إدراكها، والصورة في ذهنها غائمة وعقلها عاجز عن فهم الأحداث التي تجري وعن التوصل إلى تفسير منطقي لها، لكنها كانت تجد نفسها مدفوعة للسير وراءه مثل سجينة تربطها بسجانها سلسلة محكمة، فالطريق واحدة والمصير واحد·
 
···· لما أفاقت من شرودها وجدت أنه كان قد سبقها كثيراً، حاولت أن تعدو فلم تستطع، كان التعب قد هدها وطول السير قد استنفذ كل قوتها· جاهدت كي توسع خطاها قليلاً فلم تفلح، إذ أن ساقاها كانتا ترتجفان من الإجهاد وتكادان لا تقويان على حملها أكثر· مادت الأرض بها وزاغ بصرها، شعرت أنها تكاد تفقد وعيها فنادته مجدداً بصوتٍ واهنٍ علَّه يرأف بحالها ويستجيب لها، لكن خاب أملها مثل كل المرات السابقة وتابع سيره الحثيث صامتاً حتى خيّل إليها أنه يستمرىء عذابها ويفرح بشقائها· تلفتت حولها تبحث عن أمل، أي أمل تتمسك به قبل أن يفوت الأوان وتركع مستسلمة من فرط يأسها· 

الصفحات