تمثل هذه الرحلات باكورة مشروع ضخم كنّا قد شرعنا به منذ سنوات، ونوّهنا عنه في أكثر من مناسبة، لترجمة رحلات أجنبية جديدة، أو بترجمة جديدة كاملة، تغطي الحقبة من القرن السادس عشر حتى نهاية القرن الثامن عشر· وقد انتهينا من ترجمة نحو خمس عشرة رحلة منها، ودفعنا بع
أنت هنا
قراءة كتاب رحلات بين العراق وبادية الشام خلال القرن السادس عشر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

رحلات بين العراق وبادية الشام خلال القرن السادس عشر
الصفحة رقم: 6
بداية القصة
حينما كان الباديشاه المعظَّم يعقد مجلسه في حلب، في شهر رمضان من سنة (960هـ-1552م)، صدرت الأوامر إليّ بالإلتحاق بالجيش·
وقد احتفلـــتُ بعيـــد رمضان في حضرة صاحب الجلالة· وفيما بعد ذهبـــتُ إلى سِيـــدي غــــازي(18)، وقمـــتُ بزيارة ضريح مولاي رومي(19) فــي قونية، وزرت أضرحــــة كــــل مـــن سلطــــان العلمــــاء(20)، وشمسي تبريـــزي(21)، والشيـــخ صـــدر الدين القونـــي(22)· وفي قيصرية(23) قمتُ بزيارة أضرحة الشيوخ أوحد الدين الكرماني(24)، وبرهان الدين(25)، وبهاء الدين زادة(26)، وإبراهيم آق سراي(27)، وداوود القيصري(28)· وحينما عدتُ إلى حلب زرتُ أضرحة داوود وزكريا وبلوقيا، وزرت أيضاً أضرحة سعد وسعيد(29)، صحابة النبي · وقضيتُ عيد الأضحى(30) مرةً أخرى في حضرة السلطان·
لا بد لي أن أذكر الآن أن المغفور له أميرال الأسطول المصري بيري بك(31) كان قد تمّ إرساله في وقت ما قبل هذا الوقت، مع ثلاثين سفينةً (من القوادس والغاليوتات)(32) من السويس، عبر البحر الأحمر، إلى سواحل جدة واليمن، وعبر مضيق باب المندب، جنوبي عدن، وعلى طول ساحل الشحر(33)· وقد تشتت أسطوله في جو ضبابي ممطر، وفُقدت بعض سفن أسطوله، في حين تابعت البقيةُ طريقها من عُمان إلى مسقط، فاحتل الحصن، وأسر كل السكان، كما شنّ غارةً على جزيرتي هرمز وبرهت(34)، ثم عاد إلى مسقط· وهناك علم من القبطان الكافر الأسير أن الأسطول المسيحي (البرتغالي) كان في طريقه· لذا كان أي تأخير إضافي غير مستحسن، لأنه لن يستطيع مغادرة الميناء في حال وصوله إطلاقاً· والحقيقة أن الوقت كان متأخراً جداً لحماية كل السفن، فأخذ ثلاثاً منها فقط، وبها نجح في الفرار قبل وصول البرتغاليين· وقد تحطمت إحدى سفنه بالقرب من البحرين، فعاد بمركبين فقط إلى مصر· وبما أن بقية الأسطول كان في البصرة، فقد عرض قباذ باشا قيادته إلى رئيس الضباط، ولكنه رفض، فعاد إلى مصر عن طريق البر· وحينما وصلت تلك الأنباء إلى القسطنطينية، اُوكلت مهمة قيادة الأسطول إلى مراد بك، سنجق بك القطيف السابق، إذ كان حينها في البصرة· فصدرت الأوامر إليه بترك سفينتين، وخمسة قوادس، وغاليون واحد في البصرة، وعاد إلى مصر بالبقية، أقصد القوادس الخمسة عشر (لأن أحد الغاليوتات احترق في البصرة) وقاربين· وبدأ مراد بك باتخاذ الترتيبات اللازمة، لكنه فوجئ بأسطول كافر (برتغالي) قبالة هرمز؛ فحدثت بعد ذلك معركةٌ رهيبةٌ استشهد فيها كلٌ من سليمان ريّس، ورجب ريّس وعدة رجال، وجُرح الكثيرون، وقُُصفت السفن قصفاً عنيفاً بقذائف المدافع· وفي آخر ليلة توقف القتال· وكان أحد القوارب قد تحطم جنوبي الساحل الفارسي، وفرّ نفرٌ من طاقمه، أما البقية فقد أسرهم الكفار، وتمّ الإستيلاء على القارب نفسه·
حينما وصلت هذه الأنباء السيئة إلى العاصمة، مع إقتراب شهر رجب للسنة المذكورة (960هـ/ 1552م)، تمّ تعيين كاتب هذه الصفحات أميرالاً للأسطول المصري·
أنا، الفقير إلى الله سِيدي علي بن حسين، المعروف أيضاً باسم كاتب رومي، قبلتُ هذا المنصب بسرور بالغ· فقد كنت دائماً مولعاً بالبحر جداً، وشاركت في الحملة ضد جزيرة رودس بقيادة السلطان سليمان، ومنذ ذلك الحين كنت أشارك في كل المعارك تقريباً، البريّة والبحرية· وقاتلتُ تحت قيادة كلٍّ من خير الدين باشا(35)، وسنان باشا(36)، وغيرهما من القباطنة، وكنت أشنُّ الغارات في جهات البحر المتوسط الغربي، لذا فإنني أعرف كل زاوية وركن فيه· وقد الّفتُ عدة كتب في الفلك والعلوم البحرية، ومسائل أخرى تتعلق بالملاحة· وعند فتح القسطنطينية كان والدي وجدي يديران دار صناعة(37) السفن في غَلَطة، وكانا بارزين في عملهما، وقد ورثتُ عنهما مهارتهما·
إن المنصــــب الــــذي اُوكل إليّ الآن يناسب ميولي كثيراً، فبدأتُ من حلــــب إلى البصرة، في الاول من محرم من سنة 961 (7 كانون الاول 1553)، وعبرتُ نهر الفرات عند بيرة جــــك(38)· وحينما كنــــت في الرقة(39) قمتُ بزيارة إلى مقام إبراهيم، بعد أن زرتُ في الطريق بين نصيبـــين(40) والموصـــل الأضرحة المقدسة للنبييّن يونس(41) وجرجيس(42)، وأضرحـــة الشيوخ محمد الغرابيلي(43)، وفتح الموصلي(44)، وقضيب ألبان الموصلي(45)· وفي طريقي إلى بغداد قمت بزيارة قصيرة من تكريت إلى سامراء، وزرتُ الإمامين علي الهادي والحسن العسكري، بعدها نزلت إلى مدن العاشق والمعشوق(46)، وعبر حربى(47)، جنوبي قلعة السمكة(48)، وصولاً إلى بغداد، التي عبرنا منها نهر دجلة بالقرب من الجسر· وبعد زيارة أضرحة الأولياء هناك(49)، واصلت رحلتي جنوبي قلعة الطير(50)، إلى ألبير(51)، وعبرتُ نهر الفرات بالقرب من مدينة المسيب(52) الصغيرة، ووصلت كربلاء(53)، حيث قمتُ بزيارة ضريحي الشهيدين الحسن والحسين· وبعد أن انتقلت إلى سهلٍ بالقرب من شثاثة(54)، وصلت في اليوم الثاني إلى النجف (الحيرة)، وزرت أضرحة آدم(55)، ونوح(56)، وشمعون(57)، وعلي، ومن هناك تابعتُ طريقي إلى الكوفة، حيث شاهدت مسجداً له منبر دفن تحته أنبياء آل علي كذا(58)، وضريحي قنبر ودُلدُل(59)· وبعد أن وصلت إلى قلعة الحسينية(60)، زرت ضريح ذي الكفل(61)، ابن هارون· وفي الحلة قمت بزيارات لأضرحة الإمام محمد المهدي(62) والإمام عقيل(63)، أخو علي، وزرتُ هناك مسجد الشمس أيضاً(64)· وعبرتُ نهر الفرات مرةً أخرى (وهذه المرة عبر جسر)، واختتمتُ رحلتي إلى بغداد، وتوجهتُ من هناك بالسفينة إلى البصرة· وفي الطريق اقتربنا من المدائن، وشاهدت ضريح سلمان الفارسي(65)، وطاق كسرى(66) المثير للعجب، وقلعة شاه زمان(67)، وتوجهتُ جنوباً نحو العمارة(68)، على طريق واسط إلى زكية(69)، جنوبي معاقل العجل، والمزرعة(70)، على السويب(71)، ثم إلى البصرة التي وصلتها مع نهاية شهر صفر من السنة المذكورة (بداية شهر شباط، 1554م)·