يعالج هذا الكتاب مسيرة النقد الاوروبي منذ بداياته الاولى من عند اليونان الى نهاية العصور الوسطى، مما يوفر للقارئ منظوراً تاريخياً يمكنه من فهم تطور النظرية النقدية عند الغرب خلال فترة تناهز الالفي العام ويجعله في الوقت نفسه مدركاً للقوة المحركة من اراء وافك
أنت هنا
قراءة كتاب النظرية النقدية الغربية .. من افلاطون الى بوكاشيو
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
النظرية النقدية الغربية .. من افلاطون الى بوكاشيو
الصفحة رقم: 1
تمهيد
يبحث هذا الكتاب في تطور النظرية النقدية الأوروبية منذ القرن الرابع قبل الميلاد إلى نهاية العصور الوسطى وانبثاق عصر النهضة الأوروبية في القرن السادس عشر· والرجوع إلى الأعمال النقدية الأولية التي طُرحت فيها القضايا الرئيسية في النقد يذكرنا بالمنطلقات والأساسيات في خضم الآراء النقدية المتضاربة هذه الأيام، ويمنعنا من الذهاب بعيداً في افتراضاتنا· فهنالك تراث نقدي نجح في امتحان الزمن حيث استمر قوياً متدفقاً على الرغم من تعاقب الأزمان والأذواق والنظريات· فالأعمال النقدية العظيمة التي تركها أرسطو وهوراس ولونجاينوس تمتاز بهيبة و جلال تجعلها ترفض أن تفرض عليها أساليبنا وعصبياتنا النقدية الجاهزة· ولهذا رأيت أن من الأجدى أن أدع النصوص تقدم نفسها للقارئ بشكل عادل وواضح؛ فليس هنالك أفضل من تركها تقدم ذاتها وتكشف عن مدلولاتها· وقد جعلت العلاقة بيني كقارئ وبينها كنصوص علاقة قائمة على احترام حقها في أن تُشرح لا أن تُشرَّح، وأن توصف لا أن تُصَنّف ولهذا السبب عينه، يجد القارئ أنني أكثرت من الاقتباسات المأخوذة من هذه النصوص للحفاظ على حضورها أمام القارئ· ولعل مقولة أرتشيبولد ماكليش Archibald MacLeish من أن القصيدة وجود حي، هو ما هو، وليست معنى فحسب، تنطبق أيضاً على النص النقدي· ففي عمل أرسطو النقدي الخالد صناعة الشعر يشارك النصُ الناقدَ في عملية التفسير، ويتفاعل مع الفكر أحياناً، ويتحدى التحليلَ أحياناً أخرى؛ ولكنه، في كل مرة يتعامل القارئ معه، يكشف عن معنى جديد وعن بعد مستجد، ولسان حاله يقول : إن عظمة النص تكمن في عصيانه على الفهم السريع المتعجل، وإصراره على أن يجهد الشارح ويتعب للكشف عن مكنوناته ومعانيه·
لقد سعدت حقاً خلال قراءة تلك النصوص النقدية، وزادت سعادتي لأنني بذلت جهداً متأنياً في التعامل معها يتناسب مع رفعتها ومكانتها· ولقد علمتني هذه التجربة أن لا شيء يعادل التعاطي مع الأشياء بشكل مباشر· إن من الخطأ أن ننسى النص ونضعه جانباً، ونلجأ إلى قراءة ما كتب الآخرون عنه· إن منهجية المواجهة مع النص بطريقة مباشرة قد غابت، مع الأسف، عند الكثير من الأكاديميين من دراسي الأدب والنقد الذين آثروا قراءة ملخصات لهذه النصوص أو تفسيرات لها، وهو الأمر الذي أدى إلى تراكم أفكار وآراء تشرح نصوصاً في أذهان الشارحين وخيالهم فحسب· ولهذا كله، فإن هذا الكتاب ليس موجهاً إلى المهتمين بتاريخ النقد الأدبي، ولكنه موجّهٌ إلى النقاد أنفسهم وإلى المهتمين بمعرفة النص الأدبي أولاً·
وكلي أمل أن قارئ هذا الكتاب سيجد أن هذه النصوص العائدة إلى ما يسمى بالعصر الكلاسيكي اليوناني والروماني تخاطب، على الرغم من إيغالها في الماضي، المستقبل وتجيب عن كثير من الاستفسارات النقدية المعاصرة· والمعاصرة ليست فترة زمنية تاريخية، ولكنها، بالتأكيد، حالة ذهنية ومنظور عقلي وإنساني· ففيها إجابات عن طبيعة الأدب ووظيفته وتأثيره واختلافه عن غيره من النشاط الإنساني الوجداني· وقد كان هذا هو السبب الذي جعلني أقوم بحذف ما كتبه كونتليان Quintillian وتاستوس Tacitus عن الخطابة والبلاغة من هذا الكتاب واقتصاره فقط على الأعمال اللصيقة بطبيعة الأدب كفن مستقل بذاته· لقد كانت ملاحظة السير فيليب سدني في دفاعه عن الشعر، قبل أكثر من خمسة قرون، التي قال فيها أنه يستحق اللوم لأنه خلط بين الشعر والخطابة، حاضرة في ذهني وفي خلدي عند اختيار النقاد والأعمال النقدية التي يتصدى لمعالجتها هذا الكتاب·