كتاب "رواية الياسمين" للكاتب العراقي شاكر الأنباري، الصادر عام 2000 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ من أجوائه:
أنت هنا
قراءة كتاب كتاب الياسمين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
كتاب الياسمين
الصفحة رقم: 6
وجد في واحدة من تلك الاوراق شرحا حول تمرين اللغة غير المفهومة·
كيف يمكن التكلم نصف ساعة كاملة دون تركيب جملة ذات معنى؟ هذا ما كانت ياسمين تطلبه منهم في مركز القلب المغني· نصف ساعة من الالفاظ والجمل كانت سبعة السن تهدر بها في الصالة ، ولا تعني اي شيء· لابد لمراقب يشهد ما كانوا يؤدونه ان يصفهم بالمجانين· مجانين فقدوا صوابهم ، عقولهم لم تعد مسيطرة على مايتفوهون به· كان الغرض من التمرين هو ان يتحكم العقل باللسان بشكل صارم فلا يطلق اي جملة، مدة نصف ساعة· كان تمرينا على قوة الارادة والتحكم بالذهن····مرة وهو واقف مع صديقته مرام تحت دوش المياه بدأ يتكلم تلك اللغة لمدة خمس دقائق·لاحظ الدهشة والخوف في عينيها، ظنته مجنونا او رجلا غريب الاطوار، يمتلك شيئا ما غير عادي في داخله·
في ورقة اخرى كتب ملخصا عن ليلة الولادة، وكانت اعجب ليلة مرت في حياته· شعر خلالها انه ولد من جديد· تقشر جلده عنه وخرج طازجا، بريئا كما لو كان خارجا من رحم امه· فبعد تنفس متواصل من الفم، وكانوا مستلقين على ظهورهم، وكانت هناك موسيقى عجائبية تنطلق من آلة التسجيل، والصالة معتمة وياسمين تقودهم بالكلام، تخشبت اطرافه في البداية وفقد الأحساس بها· ثم مع مضي التنفس متواترا عميقا، من الفم فقط، اخذ التنمل يدب في رأسه وراح يكبر ويكبر حتى اوشك على الأنفجار· تحول جسده الى فرن ملتهب، صدره ضاق وبلغت روحه البرزخ· وياسمين تدعوهم الى التحمل، فعليهم ان يعيشوا لحظة البدء، لحظة الخروج من رحم الأم التي اختزنوها في مكان ما من اللاوعي· ان يعيشوا لحظة مجابهة مع الألم· لم يرغب بالهزيمة، فواصل الشهيق والزفير بأقصى عمق ممكن· ثم بدأ جلده كأنه ينسلخ عنه، وشعر بأنه كائن آخر يختبئ وراء جلد قديم ينبغي الخلاص منه· لم يع وقتها متى اوقفت الموسيقى وكيف خرج من أهابه القديم، من ايقاع حياة ماضية كانت مليئة بالقسوة والتشتت وضياع الهدف· فتح عينيه على وجه ياسمين تنظر اليه بود وعطف، ماسكة يده مداعبة جبهته· فما كان منه الا ان طبع قبلة على جبينها وقال بصوت خافت: - لقد فعلتها، استطعت ان اولد من جديد·
***
امام النافذة، ناظرا الى شجرة الفلفل البري المكتظة بالعصافير والاعشاش والديدان وانسجة العنكبوت والنحل، خطرت يوم امس في ذهنه فكرة شائقة· اذا باشر بالكتاب، وكرس روحه له، فهل سيكتب التجربة التي عاشها في مركز القلب المغني كما حصلت فعلا؟ هل يمكنه اقتناص وجه ياسمين الحقيقي وتعابير المريدين واضواء البلور التي كانت تنعكس على نبتة المطاط، ونبرات الحوارات التي دارت والضحكات والاحزان والدموع والنغمات؟ ثم ذلك الصديق كث اللحية الذي ساعده ذات يوم في الخروج من سجنه كي يبدأ رحلته في هذا العالم، هل له ان يستثنيه من الكتاب؟ هو الذي كان يرتسم في ذاكرته عشرات، بل مئات المرات، وجهه ولفافته المشتعلة دائما وكتل المرجان التي غيبته بين مخالبها؟ هل يمكنه تجاهل مؤثراته عليه؟