كتاب "رواية الياسمين" للكاتب العراقي شاكر الأنباري، الصادر عام 2000 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ من أجوائه:
أنت هنا
قراءة كتاب كتاب الياسمين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
كتاب الياسمين
الصفحة رقم: 10
وذات ليلة اطفأ الضوء ونام· هل نام حقا؟ رأى عينين في الظلام، لوجه انثوي غير محدد السمات· عينان مكحولتان، عميقتا السواد، رموشهما طوال ، على كل عين حاجب اسود مجرور من منتصف الجبهة الى الصدغ· وكانتا تتأملانه بعمق· تعابيرهما حزينة، ومع الوجه القمري المضمخ بحمرة فاقعة كانتا تنسحبان الى الخلف· الى فضاء ملون، بالاحمر والازرق، لون السماء، الحاوي على شموس حمر عديدة، في كل شمس بقعة من نور· غابتا عن بصره، كما لو جذبتهما يد خفية الى بحر الغياب·
- هل أنت ياسمين؟
- كلا·
- من انت اذا؟
- أنا الأنثى التي يحلم بها الجميع·
ثم فتح عينيه· فتحهما على الم في ساقه اليمنى، الم مألوف له، جعله، طوال سنوات، يخاف السرير· كان ضوء الشارع يتسلل من الشباك وينير غرفته· المزهرية على الطاولة· ست زهرات تتدلى من عنقها الطويل· على فخار المزهرية نقوش من الارابسك، ذات لون ابيض· بتلات ثلاث منتثرات، اسقطتهن ريح مجهولة المصدر· لايحط على المزهرية طير ولا يفوح منها اريج· خلف الطاولة عتمة خفيفة وشباك غير ظاهر، لاترى منه سوى ستائر بيض حلمية ، وارجل الطاولة اقواس تنتهي بتكويرات لطيفة·
فتح عينيه على الجدار المقابل، فتش عن البنت الملونة الوجه فلم يجدها· ركز بصره الى حيث ينتصب الرجل، بوجهه المتعب، ولحيته الخفيفة التي تفاقم تعابير الالم في داخله· على رأسه لمايزل ذلك التاج المصنوع من شوك· جسده عار، نظراته تتجه الى الارض، يطلب منها عونا غامضا· يداه لاتبرزان، جروحه خافية، والشوك على الرأس· هو والالم معجونان سوية، في خلاياه رحمة على الذين نسوا اسماءهم وكيف اتوا الى هذه الارض·
على العمود مايزال عقد المرجان معلقا، بحباته غير المنتظمة الحجم والوانه الزهرية والبيضاء والسوداء· بخطوطه وبقعه وتخاريمه، ونمنمه الصغير الذي يفصل بين حبة واخرى· لقد سافر معه بين المدن، وعاش برودة الشتاءات، وحرارة الاصياف · قرأ بحباته حظوظ عدد لايحصى من الناس، حتى اصبح مخزناً لعشرات القصص والخيالات والتوهمات التي كان رأسه يكتظ بها· زوج وطلق بحباته، استمطر الثراء وكشف اسرار القلوب· فتح باب الجنان لاشخاص ظامئين لمعرفة مصائرهم· مرجانه اقتطع من بحيرة تقع بين الجبال، مات فيها اعز صديق له هو سعيد· مات من تشنج اصاب فخذه كما قيل له فيما بعد·