كتاب "سنوات الضياع: سيرة صفد تاريخاً و شعباً"، الذي اهداه الكاتب علي الصفدي لروح والده، قائلاً: الى روح والدي رحمه الله التى حلقت معي عبر الصفحات القادمة، وقفزت منها الى موقع الأحداث التى تدور حولها، الى اجواء مدينة صفد تأبى مبارحتها كما بارحها جسده قسرا، و
أنت هنا
قراءة كتاب سنوات الضياع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
معـــري صفــــد
اجتازت قوافل المهاجرين طرقا لولبية وعرة وضيقة وكأنها سلالم معلقة في الهواء، تتقاذفهم العواصف الهوجاء التي تلفح وجوههم والامطار التي ما انفكت تهطل فوق رؤوسهم، وكأن الطبيعة كانت عونا لاعدائهم عليهم ، واصوات الرصاص ما زالت تلاحقهم وتلح في متابعتهم. وبينما هم يتحركون بخطى وئيدة عاجزة لاحت لهم من بعيد قافلة من الدواب تتجه صوبهم من الشمال ، تسارعت خطواتها باتجاههم واقترب الركب منهم الى ان تلاصق معهم فبادر أحد المهاجرين الى طرح سؤال مرتعش:
- ما هذه القافلة وأين وجهتها في مثل هذه الظروف؟
- انها قافلتكم وتتجه الى بلدكم ألستم من صفد؟ اجاب قائد القافلة.
- بلى اننا منهاولكن لم يبق فيها صوص ابن يومين، ولكن قل لي ما هي حمولتها؟
- انها تنقل لكم الاسلحة من ميناء صور لتستخدمها المقاومة الشعبية.
- فتساءل المهاجر باستغراب شديد:
- ماذا ؟ أسلحة ومن أرسلها لنا ، بالله عليك تكلم.
- انها اسلحتكم يا رجل والتي وصلت بالباخرة من ليبيا، هل نسيتم أمرها؟
وهنا استفاقت ذاكرة المهاجر وآمدته بالمعلومة الدقيقة التي كاد ان ينساها الجميع في خضم القيامة الصغرى التي قامت في فلسطين ، فقد شكل ابناء صفد قبل عدة أسابيع وفدا منهم برئاسة التاجر فؤاد الخولي توجه الى الصحراء الغربية الواقعة بين مصر وليبيا لشراء الاسلحة التي خلفتها الحرب العالمية الثانية وتمكنوا من تأمين حمولة باخرة كاملة من البنادق والمدافع والرشاشات أبحرت الى صور لتنقل منها برا الى صفد ، إلا أن ظروف الحرب قد أخرت نقلها، فوصلت الاسلحة بعد فوات الأوان ، وكان الحاج الخولي قد دفع ثمنها من جيبه الخاص ما مقداره خمسة عشر الف جنيه في سبيل وطنه وإنقاذ مدينته.
اطلق الرجل زفرة حارّة كادت تحرق صدره ، ثم أجهش بالبكاء وهو يردد: ـ واحسرتاه .. واحسرتاه، ما الذي يجري لنا، تصلنا الاسلحة التي كنا بأمس الحاجة أليها بعد أن تلاشت فرصة استخدامها والاستفادة منها . لقد بتنا خارج بلدنا ويا ليتها وصلت قبل خروجنا. آه لو كان بيدنا أن نصمد يوما آخر لوصلتنا تلك الاسلحة، ولكنه النحس يلازمنا، فيوم وصولها نجد أنفسنا على قارعة الطريق ، ان حال الأسلحة كحال الذاهب الى الحج والناس راجعة.