كتاب "سنوات الضياع: سيرة صفد تاريخاً و شعباً"، الذي اهداه الكاتب علي الصفدي لروح والده، قائلاً: الى روح والدي رحمه الله التى حلقت معي عبر الصفحات القادمة، وقفزت منها الى موقع الأحداث التى تدور حولها، الى اجواء مدينة صفد تأبى مبارحتها كما بارحها جسده قسرا، و
أنت هنا
قراءة كتاب سنوات الضياع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
وطبرية المشتى الفلسطيني الدافئ التى جاءت منها رابحة ، صمدت في وجه الزلازل لوقوعها على خط الانهدام السوري الأفريقي مع مدن الغور الفلسطيني الأخرى سمخ وبيسان وأريحا، وحافظت على بقائها مدينة عربية على مر العصور الاحتلالية ، وهي إحدى المدن الأربع الى جانب كل من صفد والقدس والخليل التى سكنها اليهود الاشكناز ولم يبرحوها أبدا اعتقادا منهم أن المسيح المنتظر سيهبط في واحدة منها . وانتظارا ليوم ظهوره كانوا يواصلون الاعتداء على أهل تلك المدن ويضيقون عليهم الخناق لكي يدفعوا بهم الى الهجرة عنها، لتبقى يهودية خالصة دون وجود أي عربي فيها . وقد شكلت هجراتهم الاستيطانية المتلاحقة اليها أغلبية يهودية زادت على نسبة أصحابها الطبريين الاصليين، ولم يكن فيها عام النكبة سوى حامية عربية قليلة العدد والعدة تتبع جيش الإنقاذ لا يتعدى مجموع أفرادها خمسين مسلحا وذخائرهم لا تكفي لقتال يوم واحد، ومعهم بعض شباب طبرية الذين يعوزهم الإلمام بالسلاح والضعف في التدريب، ومع ذلك حاولوا بفطرتهم وعفويتهم الدفاع بكل عزم عن بلدتهم وصدوا الهجمات اليهودية العنيفة ضد أحيائهم في منتصف شهر آذار 1948 ، وتوصلوا الى هدنة مع اليهود رعتها قوات الانتداب البريطاني . ولكن ما فتئت العصابات الصهيونية المسلحة ان نقضتها واستأنفت عدوانها ضد أهل طبرية الذين استنجدوا بالمناضلين المقيمين في مدينة الناصرة فأنجدوهم بما استطاعوا من متطوعين قادهم محمد العورتاني من ضباط الجيش الأردني، تبعتها مجموعة ثانية قادها دياب الفاهوم وثالثه قادها أبو الرب، ولكن اليهود عززوا قوتهم وكثفوا هجماتهم ليلة 15-16 نيسان واندفعوا بقوة تشكلت من أربعمائة مقاتل مزودين بأسلحة متطورة . وكان عدد المدافعين عن طبرية مع المجاهدين القادمين من الناصرة الذين انضموا إليهم لا يتجاوز مائتي مسلح . وقد مهد الإنجليز لسقوط طبرية بإخلاء رعاياهم منها وإقفال المستشفى الاسكتلندي . وبعد اشتداد المقاومة العربية اضطر الإنجليز للتدخل وفرض هدنة مدتها ثلاثة أيام ، انهارت في يومها الثالث في التاسع عشر من نيسان عندماهجم اليهود بأعداد غفيرة واحتلوا البنايات الكبرى ، فسقطت طبرية دون أن تكلف اللجنة العسكرية العربية خاطرها بإرسال نجدة عسكرية أو على الأقل قائد عسكري واحد يتولى الاشراف على تنظيم الدفاع عنها . وقد رحل سكانها جميعا عن مدينتهم بضغط من الجيش البريطاني الذي شجعهم على الرحيل كي لا يتعرضوا للذبح على أيدي العصابات اليهودية كما تعرض إخوانهم في دير ياسين ثم في قرية ناصر الدين القريبة من بلدتهم حيث ارتكب اليهود فيها مجازر رهيبة، فحرقوا بيوتها وقتلوا رجالها بعد أن اعتدوا على نسائهم أمام أعينهم، وشردوا أطفالها ، واستباحوها استباحة وحشية قضت عليها وأسقطتها في أيديهم ليلة العاشر من نيسان .ومنذ ذلك اليوم المشؤوم ، انقطعت طرق المواصلات بين طبرية وصفد وبات الناس في تيه كبير، وصدمة عاصفة أخلت بعقولهم فبات المرء لا يدرك اكثر من ذاته ، فالمعلومات اختلطت وتشوشت ، والكل في ضياعلا حدود له.
لقد ركزت رابحة تفكيرها على النجاة بنفسها وبزوجها واطفالها وأرجأت الى حين التفكير بأهلها وذويها خشية أن تصاب بانهيار يقضي على فرصتها بالنجاة من ويلات الحرب . وعاشت لا تدري شيئا عن مصيرهم ، لقد انصب اهتمامها في تلك اللحظة على الخروج من مصيبتها الثقيلة التى تقودها الى مصير مجهول لا يعلم به إلا الله ، ولم يكن أمامها وأمام الفارين معها سوى التسليم للقدر وتركه يفعل بهم ما يشاء .