أنت هنا

قراءة كتاب مذكراتي نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مذكراتي نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية

مذكراتي نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية

في كتابه "مذكراتي نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية"؛ يكتب المؤلف في خاتمة مؤلفه هذا: "لقد حرصت في تدوين مذكراتي هذه على تسجيل ما قمت به بنفسي، أو اطلعت عليه بصورة مباشرة، بحكم اضطلاعي بمناصبي ومسؤولياتي فقط، دون سواه، توخياً للحقيقة المجردة، وتفادياً

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8
الدستور العثماني
 
في صيف سنة 8 0 9 1 وردت أخبار من استانبول لم يفهم مغزاها إلا أفراد قلائل، وهي أن السلطان قد أصدر أمره بإعادة دستور سنة 3 3 2 1 رومية· فاعتبر هذا الوقت دوراً جديداً قد بدأ في حياة الدولة العثمانية سموه (دور المشروطية) أو (الانقلاب العثماني) أو دور الحرية، وكل هذه الأسماء لا يعرف أهل العراق شيئاً عنها ولا يحيطون حتى بقسم من مغازيها· والمفهوم الوحيد الذي كان ظاهراً لدى الجمهور هو أن هذا الدور الجديد سيجعل المسلم وغير المسلم إخواناً في الوطن، وأنه سيحدّ من سلطة السلطان (الخليفة) وهذا ما لا يرضاه أحد منهم، حتى إن أكثر المصلين في المساجد عندما ورد في خطبة الجمعة لأول مرة اسم السلطان محمد الخامس، بعد أن خلع السلطان عبدالحميد الثاني، بكوا على سلطانهم القديم· غير أن العنصر التركي في العراق كان أكثر فهماً لهذه الأمور من العنصر العربي؛ لأن ما كتب في تمجيد الحرية والتغني بمحاسن التجدد والدستور كان على يد الكتاب الأتراك كنامق كمال، وعلي سعاوي، وغيرهما مما لم يتسنّ اطلاع أبناء العرب عليه إلا نادراً·
 
بين فكرتين
 
وفي الواقع لقد بدأ جدال عنيف في العراق ما بين الفكرة القديمة والفكرة الجديدة، مما أدى إلى اعتبار النزعة الجديدة تركية والقديمة عربية بدون مبرر· فشاهدنا أبناء البلاد يشاحنون الاتحاديين باعتبارهم يحملون لواء التجدد أولاً ثم يثيرون الشعور بالقومية التركية ثانياً، مع أن الحقيقة في بادىء الأمر لم تكن كذلك لأن مفهوم (العثمانية) في ابتداء الدور الدستوري كان سائداً في الأفكار أكثر من أي مفهوم آخر· ولم تظهر القومية التركية بصورة بارزة إلا في سنة 9 0 9 1 وما بعدها·
 
الوعي العربي
 
حلت سنة 9 0 9 1، وحلت فيها جميع الضغائن بين الترك والعرب· فانتقل قسم من هذا الشعور إلى العراق بطبيعة الحال، وظهر ذلك على يد أفراد من أصحاب النفوذ والجاه لخدمة أغراضهم، ولفيفٌ من الشبيبة العربية المخلصة· وعلى توالي الأيام زاد النفور ما بين العنصرين ولكن ضمن دائرة محدودة جداً لضآلة الشعور القومي العربي المنظم في العراق؛ لأن الحالة في العراق كانت في الحقبة التي بدأت في تموز 8 0 9 1 حتى تموز 4 1 9 1 مضطربة الشعور غير واضحة الأهداف· وكنت أحد أبناء بغداد الذين لا يعرفون شيئاً عما ينتظرهم من أمور جسيمة تتعلق بمقدرات أوطانهم وقوميتهم· وكل ما كنت أعرفه هو أنني كنت مسلماً عثمانياً عربياً لا أملك من العروبة إلا شعوراً وهمياً· وإذا كنت أنا في هذا الموقف مع كوني أنتسب إلى عائلة عربية عريقة فكيف كان الأمر مع الآخرين!؟
 
إنني أتذكر جيداً عندما كان أحد إخوتي يتأهب للسفر إلى استانبول - كان والدي يطلب منه أن يكاتبه بالعربية لأن المكاتبة في ذلك الوقت كانت على الغالب باللغة التركية· وكان كل منا ينفذ رغبة والدي في مراسلته بالعربية مما أبقى فينا السليقة العربية حية لا يشوبها نفوذ التركية·
 
استانبول
 
ومن الغريب أن تكون استانبول في نظرنا مهد النهضة العربية لما فيها من اتصال وثيق بين شباب العرب وكهولهم، سواء أكانوا في المنتدى الأدبي أم في غيره من الأمكنة العديدة·
 
المؤتمر العربي
 
وقد كان لهذا الاتصال فوائد جمة ظهرت آثارها في المؤتمر العربي الأول المنعقد في باريس سنة 3 1 9 1، حيث برز صوت العرب مدوّياً ومطالباً بحقوقهم، ومعلناً اتفاق أبناء الضاد على ما يخدم قوميتهم· ولم تكن آمال العرب في تلك الفترة متجهة نحو الاستقلال المطلق بل كانت ترمي إلى إنهاض القومية العربية، وتركيز كيانها على أسس حديثة تمكنها من إفهام الترك بأن في الإمبراطورية العثمانية عنصراً يجب احترام رغائبه وتمكينه من التمتع بحقوقه المشروعة كعثماني·

الصفحات