أنت هنا

قراءة كتاب مدن فاتنة وهواء طائش

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مدن فاتنة وهواء طائش

مدن فاتنة وهواء طائش

في كتاب "مدن فاتنة وهواء طائش"، أخذنا محمّد إلى بيته. قاد سيارته في الشارع المتعرّج بسرعة زائدة، أو هكذا خيّل لي، ما جعلني متوجساً طوال الوقت. (ستتكرر هذه السرعة في الأيام التالية، سيجدها محمد أمرا عاديا، سأجدها امرا مربكا. هذا الإيقاع السريع يربكني!

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
-1-
 
تسكنني تماماً مثل القدس·
 
هي، بالنسبة لي، المدينة الثانية بعد القدس·
 
لم يحدث أن كانت لي صلات وطيدة ببقية المدن الفلسطينية مثلما هو الحال مع القدس ورام الله· وحينما أقول رام الله، فإنني أعني ضمناً، البيرة، أخت رام الله، المجاورة لها، الملتحمة بها من دون انفكاك· عملت مدرّساً في البيرة أواسط الستينيات من القرن الماضي، درَّست ثلاث سنوات في المدرسة الهاشمية الثانوية، وسكنت آنذاك في رام الله· سكنت بيوتاً عديدة، بعضها قريب من دوار المنارة، حيث مركز المدينة الصغيرة الوادعة، وبعضها الآخر بعيد من مركز المدينة، يكاد يقع على تخومها، حيث الأراضي المنحدرة نحو الوديان المليئة بأشجار الزيتون والتين والعنب، التي تحيط برام الله من الشمال والغرب تقريباً، فتجعلها مدينة ذات امتداد ريفي بهيج· (بهيج لجهة ما يعنيه الريف من طبيعة خلابة، لا من جهة ما يعنيه من عادات وتقاليد)
 
دخلتها أول مرة وأنا فتى في السادسة عشرة·
 
تقذفنا الحافلة القادمة إليها من القدس، من جوفها، في محطتها الأخيرة بالقرب من سينما دنيا، السينما التي ظلت مغلقة منذ الانتفاضة الأولى (كما لو أنه من المفروض ألا تكون هناك دور للسينما ما دامت هناك انتفاضة!) ثم ما لبث أصحابها أن هدموها قبل عام ليقيموا في الفراغ الناشئ عن هدمها موقفاً عاماً للسيارات· (إساءة أخرى لتراث المدينة المعماري، واعتداء على الذاكرة، ذاكرة المدينة ومحبيها!)
 
من هناك، بالقرب من سينما دنيا التي لم يعد لها وجود على وجه الدنيا، كنا نمشي على الأقدام· على وجه الدقة، كنت أنا أمشي على قدمي، وكذلك بعض العمال من أبناء عمومتي المرافقين لأبي· أما أبي، فقد ابتدع لنفسه تقليداً مريحاً إلى حد ما، إذ يجد في انتظاره عاملاً من أهل القرية التي نقصدها، ومعه حمار على ظهره برذعة· يركب أبي الحمار ونمضي خلفه، ووجهتنا قرية عين عريك التي لا تبعد كثيراً من رام الله· لم يكن ثمة سيارات قادرة على الوصول إلى القرية· كانت مهمة أبي تكمن في تمكين السيارات من الوصول إلى هناك· كان يشرف على شق شارع يصل بين القرية والمدينة، صيف العام 1957· كنت ما زلت طالباً في المدرسة· اعتاد أبي أن يأخذني معه في العطل الصيفية، للعمل في الورش، مقابل بضعة دنانير في الشهر·
 
استأجرنا بيتاً في القرية نقيم فيه طوال ذلك الصيف·
 
لأول مرة لا يقيم أبي في خيمة كما جرت العادة في ورش أخرى وفي أماكن أخرى· البيت الذي أقصده، ليس سوى غرفة واسعة لها شبابيك مستطيلة تعبرها في الليل رياح الصيف المنعشة· أنام الليل كله باستمتاع كبير، وفي أحيان غير قليلة كانت أطياف بعض الفتيات اللواتي يصادفنني في أزقة القرية وبساتينها، تزورني في الأحلام، أدرك أن حياتي تنفتح على مسارب جديدة، وأن ريف رام الله مسؤول بشكل أو بآخر عن ذلك، أو عن جزء منه·

الصفحات