دوّن عبد العزيز القصاب مذكراته كشاهد على الأحداث التي عاصرها بدقة وتجرّد نادرين، حيث تنقل في الوظائف الإدارية من قائمقام في سامرّاء والسماوة والجزيرة ( الصويرة) فالسماوة ثانية ثم الهندية وهيث وعانة والزيبار.
أنت هنا
قراءة كتاب مذكرات عبد العزيز القصاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
مذكرات عبد العزيز القصاب
الصفحة رقم: 4
وفي رأيي أن والدي لم يكن سياسيا مغامرا طامعا بمواقع رئاسية· كنت أتذكر أياما متعددة ونحن نراقب تكليفه بمناصب وزارية أو رئاسية يقابلها بالرفض · وفي قناعتي أنه إداري بطبيعته··· نجح الى حد بعيد في تحقيق العدالة ومكافحة الفساد في النواحي النائية من البلاد، وكذلك كسب ثقة الناس واحترامهم لدوره في استفتاءات انضمام لواء الموصل الى العراق·
وكان في مسيرته عموما يرفض أساليب العنف ويعارض تدخل الجيش في السياسة· وفي يوم حزين اغرورقت عيونه بالدموع عندما شاهد، وهو في شرفة مجلس النواب، جموع الشباب تتساقط من الجسر تحت وابل رصاص الشرطة من المآذن على الصوبين، فاستقال من رئاسة المجلس مع النواب المعارضين لمعاهدة (بورتسموث) وأحرج الوزارة القائمة ·
وأعجبت كذلك بمواقف الجبهات المتصارعة في الحلبة السياسية، وكيف كان ممكنا أن يتحاور مع ياسين الهاشمي وهو البديل المنتظر لوزارة المدفعي عام 1935، والتي كان والدي وزيرا للداخلية فيها، حوار غايته التفاهم في سبيل مصلحة البلاد العليا· وكذلك كيف كانت تدار في البلاط الملكي الاجتماعات التي ضمت رجال الأحزاب المعارضين مع المسئولين في الدولة في الظروف الصعبة، وربما كان والدي عنصر موازنة مهما في هذه الاجتماعات·
ومن جملة ما وجهته لنفسي من الأسئلة كيف كان أبي ينظر الى المرأة وحياته ارتبطت بأربع زوجات بصورة متعاقبة؟ مشاهداتي الكثيرة أقنعتني بحبه وإخلاصه ووفائه لهن· ففي زاوية من دارنا في كرادة مريم قبعت عجوز عمياء مقعدة في فراشها· كانت هذه العمياء المقعدة هي كل ما بقي من (مريم خان) والدة زوجته الأولى نورية، التي كانت حبه الأول منذ أيام دراستة في اسطنبول، والتي شاء القدر أن تموت على كرسي مركب الأسنان في سامراء وهي حامل بطفلها الثاني، بعد أربعة سنوات فقط من زواجها· اعتنى والدي بـ(مريم خان) وفاء لزوجته حتى توفت بعد أربعين عامًا·
وتلاحقه المأساة الى زواجه الثاني ووفاة (صبيحة الجلبي) وطفليها في ظرف أسبوع فقط، ضحية لمرض الدفتريا الذي فتك في جموع المجاهدين في السماوة أثناء الحرب العالمية الأولى·