دوّن عبد العزيز القصاب مذكراته كشاهد على الأحداث التي عاصرها بدقة وتجرّد نادرين، حيث تنقل في الوظائف الإدارية من قائمقام في سامرّاء والسماوة والجزيرة ( الصويرة) فالسماوة ثانية ثم الهندية وهيث وعانة والزيبار.
أنت هنا
قراءة كتاب مذكرات عبد العزيز القصاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
مذكرات عبد العزيز القصاب
الصفحة رقم: 10
كتّاب الملا الدولعي
عند بلوغي الخامسة من عمري، أدخلني والدي المرحوم في كتّاب الملا محمد أمين الدولعي لتعلم القراءة والكتابة· كان هناك في ذلك الوقت خمسة كتاتيب في جانب الكرخ، وعدد أكثر منها في جانب الرصافة، والكتّاب هذا هو أول مدرسة أنتمي إليها·
كان الدولعي إمامًا للمسجد المسمى باسمه، ويقع في (سوق حماده)· عاش هذا الرجل عمرًا طويلاً يقال إنه قارب مائةً وثلاثين عامًا· كان صالحًا، تقيًا، يصوم أيام السنة كلها ولا يفطر إلا في أيام الجمع والأعياد· كان قوي البنية وهو في عمر المائة· يدرس الطلاب عليه مبادئ القراءة، ويتعلمون الكتابة على صفائح (الَتَنَكْ) المعدنية الخفيفة، وإن أرادوا أن يمسحوا ما عليها، غسلوها بالماء أو لطعوها بألسنتهم ليتمكنوا من الكتابة عليها مرة أخرى·
كنت أذهب صباح كل يوم للكتّاب برفقة أخي عبد الفتاح· وفي أحد الأيام بينما كان الملا يقرئني الألف باء، أخطأت في قراءة الحروف، فقرص ظاهر يدي بإصبعيّ السبابة والوسطى، وشعرت بألمٍ شديدٍ وكأنها قرصة آلة حديدية، وأجهشت بالبكاء· أخذ الملا يلاطفني ويمسح رأسي، ولما عجز عن إسكاتي، أمر أخي عبد الفتاح أن يأخذني إلى البيت· رجعت إلى أبي شاكيًا باكيًا، وطلبت منه أن لا يرسلني إلى هذا الملا مرة أخرى·
نفذ والدي طلبي، ونقلني إلى كتّاب الملا عبد الله السويدي بعد أن مرَ على دراستي شهران فقط، مع العلم أن الدولعي كان قد علم والدي وأعمامي وإخوتي القراءة والكتابة من قبلي·
كتّاب الملا عبد الله السويدي
درّس هذا الملا في مسجده المشهور في محلة (جامع عطا)· وكان رحمه الله شديدًا صارمًا، لا يضاهيه في ذلك أحد· وطلابه لا يتجاوز عددهم الثمانين، يقبلهم من سن الخامسة أو السادسة وحتى الرابعة عشرة· وله نظام خاص ودوام يبدأ قبل طلوع الشمس وينتهي بعد صلاة العصر· كان يسقي تلاميذه، شتاءً وصيفًا، حليبًا أو شاي (دارسين)· ومن يتأخر عن الدوام يضربه على قدمه ثلاث مرات بالعصا، ولديه (صلاّبة)(5) يشد عليها الطلاب المخالفين لتعاليمه من أرجلهم· ومن جملة تعاليمه الغريبة، هو أن يعلن الطالب عن قدومه بوضع فمه في ثقب مفتاح الباب وينادي بصوت خافت مستمر طالبًا فتحه، ولا يسوغ له طرق الباب أبدًا، ومن يخالف ذلك يضرب· وكان يمنع الطلاب من البصاق على أرض المسجد، والمنع هذا يسري على المصلين جميعهم، شبابًا وشيبًا· ومن عاداته أيضًا أن لا يفتح أبواب المسجد للمصلين إلا بعد الأذان وفي وقت الصلاة فقط·