أنت هنا

قراءة كتاب روايات باكثير قراءة في الرؤية والتشكيل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
روايات باكثير فراءة في الرؤية والتشكيل

روايات باكثير قراءة في الرؤية والتشكيل

إن تجربة علي أحمد باكثير الروائية تعد من أقدم التجارب الروائية العربية الحديثة - التي وظفت التاريخ – وأنضجها؛ على الرغم من أنها كتبت في مرحلة متقدمة، فهي تحتوي على كثير من المنجزات الفنية التي تجعل منها رائدة الإبداع الروائي الذي يعتمد التاريخ مصدرا له، وذل

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 6
هل وجود بعض الأحداث التاريخية في الرواية يكفي للقول بأنها روايات تاريخية ؟
 
يكاد التاريخ أن يكون منظومة من الأحداث والتمثلات لواقع قائم، متجه نحو الماضي، في حين يكاد التاريخي يكون منظومة من الأحداث والتمثلات لواقع ممكن، متجه نحو المستقبل. ولعل هذا يجعل المسافة بين الواقع والقائم والواقع والممكن تماثل المسافة التي يختزلها سؤال الكتابة بين الحقيقة والاحتمال. ان التعامل مع التاريخ من حيث هو مكون روائي لا يعني اعتماد التاريخ بديلا للتخيل، وكأن الرواية التاريخية بتكامل مستويات البناء والتجنس لا تكمن في طبيعة الأحداث التي تعرض لها، بل في الطريقة التي تقدمها بها" (1) والعلاقة بين الرواية والتاريخ هي علاقة يتم في ضوئها تمثل البؤرة السردية: الشخصية، الزمن، الفضاء …. ولذلك، لا ترتبط الرواية بالتاريخ لتعيد التعبير السمة السردية للكتابة الروائية والتاريخية وتدقيق مجال الاشتغال والتفاعل وتنويع عما قاله التاريخ " بلغة أخرى "، واعتماد الرواية التاريخية على الحدث التاريخي لا يعني أنها تعيد كتابة التاريخ بطريقة روائية فحسب بل قد ترتبط الرواية بالتاريخ للتعبير عما لا يقوله التاريخ. إن الرواية العربية، وهي لا تعيد استثمار التاريخ في انتاجها للدلالة الروائية، تقدم توظيفات مختلفة في الفهم والقصد، لأنها تختار كيفية محددة في القول والتركيب وإنتاج التخييل، ولأنها تعبر أيضا عن الحاجة إلى الرواية، والحاجة لأن تكون تاريخية كذلك.
 
ويمكننا القول إن الرواية التاريخية هي نتيجة امتزاج التاريخ بالأدب؛ فالتاريخ ما هو إلا حقائق مجردة لوقائع تاريخية معينة سواء كان الأمر يتعلق بالحوادث أو بالشخصيات، بيد أن هذا التاريخ المجرد عندما يدخل بنية أساسية تعتمد عليها الرواية يأخذ شكلا جديدا؛ بحيث يصبح عنصرا فنيا من عناصر تكوين الرواية، فيخضع حينها لكاتب الرواية الذي يفسره وفقا لمزاجه الشخصي، لذا فإن " كتابة الرواية التاريخية محفوفة بالمزالق لأن الشخصيات في التاريخ لها وجود محدد، أو بعبارة أخرى هي معدة سلفا وكذلك الأحداث التاريخية والمكان والزمان وغيرها، وعلى الفنان أن يصوغها صياغة جديدة لا أن ينقلها كما هي في التاريخ، وهذا العمل هو الذي يجعل اتخاذ التاريخ مادة للرواية عملا مشروعا" (1) لكن يشترط في هذه الصياغة للمادة التاريخية أن تحافظ على كنهها وواقعيتها التاريخية كما هي، فيؤذن للروائي أن يحذف أو يزيد على الحدث التاريخي؛ لكن ضمن ضوابط المحافظة على جوهر المادة التاريخية المعاد صياغتها في العمل الأدبي.
 
وهناك علاقة طبيعية بين التاريخ والفن الروائي، فالمؤرخ حين يعمد إلى تصوير التاريخ وتسجيل أحداثه عليه " أن يلزم شكلا من الأشكال السردية الثلاثة، وهي: الحوليات و الأخبار و التاريخ.
 
أما الحوليات annals، فمعناها سنويا وهي مشتقة من أصل لاتيني.
 
أما الأخبار chronicles، فالأصل يرجع إلى اليونانية chronika وتعني زمنيا.
 
ومن هنا يتضح أن المصطلحين (الحوليات والأخبار) مشتقان من فكرة الزمن، فهما سجل أو قائمة أحداث مرئية مرتبة ترتيبا زمنيا، ولا يظهر منها المحور الاجتماعي الذي يصور أحوال الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أي دون احتوائهما للعنصر القصصي.
 
أما المصطلح الثالث، التاريخ history فهو يعني قصة وتاريخا في آن واحد - أي أن التاريخ هو احتواء للأحداث في قالب قصصي، يعنى المؤرخ فيه بذكر الأنظمة الاجتماعية والسياسية السائدة من حوله في سرده لأحداث التاريخ مما يقرب عمله هذا من عمل الروائي؛ حتى قال كروتشه: " لا تاريخ بلا قص " – أي انه ليس هناك مانع من إضفاء البنية القصصية أثناء تناول أحداث التاريخ وتسجيلها"( 2) ومن هنا يتضح لنا وجود ارتباط فطري بين التاريخ والفن الروائي، إذ إن كليهما يتضمن سرد الأحداث بشكل قصصي. ولوجود هذه العلاقة بين الفن والتاريخ اتجه الكتاب إلى قراءة هذا المصدر الثري، وهضم صوره وصياغة موضوعاته صياغة حية نابضة لتغدو وسيلة للتعبير من خلالها عن أنفسهم ذواتا تحس وقلوبا تنبض.

الصفحات