أنت هنا

قراءة كتاب روايات باكثير قراءة في الرؤية والتشكيل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
روايات باكثير فراءة في الرؤية والتشكيل

روايات باكثير قراءة في الرؤية والتشكيل

إن تجربة علي أحمد باكثير الروائية تعد من أقدم التجارب الروائية العربية الحديثة - التي وظفت التاريخ – وأنضجها؛ على الرغم من أنها كتبت في مرحلة متقدمة، فهي تحتوي على كثير من المنجزات الفنية التي تجعل منها رائدة الإبداع الروائي الذي يعتمد التاريخ مصدرا له، وذل

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 7
بداية ظهور الرواية التاريخية الغربية والعربية
 
يذهب الدارسون إلى القول إن " الرواية الغربية [ نشأت ] في مطلع القرن التاسع عشر، وذلك زمن انهيار " نابليون " علي يد الكاتب الاسكتلندي والتر سكوت 1771- 1832 م إذ ظهرت رواية سكوت "ويفرلي " عام 1814 م" ( )، وإن معظم من جاءوا بعده اهتدوا بما قرره وساروا على نهجه. وقد كتب سكوت سلسلة طويلة من القصص التاريخي لاقت نجاحا كبيرا في إنجلترا وله أعمال أدبية متعددة، من أشهرها الرواية التاريخية (ايفانهو) سنة 1819م، و(الطلسم) سنة 1825، ولقد تبع سكوت في كتابة القصة التاريخية عدد كثير من الروائيين، فمن انجلترا سار على نهجه ( بالورليتون و جورج البوت) وغيرهما. ولم يقتصر تأثيره الفني على إنجلترا وحدها بل تعداه إلى فرنسا وروسيا وأمريكا"( ) فظهر في الأدب الفرنسي الحديث (الكسندر دوماس الأب 1802- 1870)، وقد نشر من سنة 1844- 1852م رواياته الشهيرة التي سارت بالقارئ من عصر لويس الثالث عشر إلى عودة الملكية خلال الحوادث الرئيسية في التاريخ الفرنسي " وقد تبع الكسندر دوماس في هذا الاتجاه الكاتب الفرنسي (فيكتور هيجو)( ) ، وكتب هيجو " روايتين تاريخيتين بينهما حوالي أربعين سنة هما: نوتردام دو باري سنة 1831م، وكاتر فان تريز سنة 1873م " ومن هذين الأديبين انتقل هذا اللون الروائي التاريخي إلى سائر الآداب العالمية الأخرى، ففي الأدب الروسي مثلا نجد " ليوتولستوى 1828-1910، الذي كتب رواية ( الحرب والسلام ) التي تعد أعظم الروايات التاريخية… "(1)
 
أما الرواية التاريخية العربية فقد اختلفت آراء النقاد المحدثين في جذورها، وانقسموا في هذا الإطار إلى ثلاثة اتجاهات :
 
الأول: يرى أن القصة التاريخية " كانت تطورا طبيعيا عن التراث العربي القصصي " (2)
 
أما الاتجاه الثاني، فإنه يقرر بـ " أن القصة التاريخية الحديثة لم تكن امتدادا للقصة التاريخية القديمة كقصة عنترة والهلالية وسيرة الأميرة ذات الهمة وسيرة الظاهر بيبرس وغيرها، فقد زال هذا النوع من الأدب الذي كان صدى للبيئة التي وجد فيها …، وما هي إلا فرع من فروع الثقافة التي جاءتنا عن الغرب في النهضة الحديثة. "(3)
 
و يرى أصحاب الاتجاه الثالث أن الرواية التاريخية نشأت نتيجة مزاوجة بين الموروث من التراث العربي القديم وبين ما جاءنا من الغرب حيث " تمخض الوعي عن حركة مزاوجة كبرى بين القصص القومي القديم بألوانه التقليدية والمصرية والشعبية والتجارية وبين المثل العليا الغربية والإنسانية للقصة، ونتج عن حركة المزاوجة انقسام القصص الفني إلى قصص تاريخي طويل وقصير والى قصص اجتماعي طويل وقصير "(1). وأرى أن للعرب إرثهم القصصي الشعبي كالسير والتخيلات القصصية والشعبية والقصص الشعري، فلا أحد يستطيع أن ينكر هذا الضرب من الفن القديم. و طبيعة الشعوب أن بعضها يفيد من بعض، فالأوروبيون مثلا في العصر الحديث أفادوا من قصص ألف ليلة وليلة ووظفوها في أعمالهم القصصية، وأنتجوا فنا متقدما من الأدب تجاوز المنثور إلى الممثل والمرئي، فالحال نفسه عند العرب الذين أفادوا من الخطوات الأوروبية في الرواية الحديثة، فنسجوا على منوالها أدبا جديدا يحاكي الأدب الأوروبي عرف باسم الرواية التاريخية العربية. ويمثل سليم البستاني وجورجي زيدان وفرح أنطون ويعقوب صروف وأمين ناصر وغيرهم الجيل الأول من كتاب القصة والرواية التاريخية، وهو الجيل الذي انصرف جهده إلى التاريخ في سياق حكايات تكون أكثر تسلية وتشويقا للقارئ(2)، ثم تبعهم الجيل الثاني ؛ جيل الذين " استلهموا لحظات ومواقف قديمة من التاريخ العربي و الإسلامي، وكان هذا الاستلهام للأشكال والموضوعات التراثية والوطنية والاجتماعية والأخلاقية والعاطفية تجليات أدبية – بمستويات أدبية ودلالية مختلفة – لمحاولات إبراز الذات القومية في مواجهة الغرب "(3) واستلهم بعض الكتاب هذا التراث في رواياتهم بهدف بعث أمجاد الماضي وبطولاته، ومن هؤلاء عادل كامل ونجيب محفوظ وعبد الحميد جودة السحار ومحمد فريد أبو حديد وعلي أحمد باكثير و علي الجارم، وقد صدرت روايات هؤلاء في الأربعينيات "(1) وعلى الرغم من هذا العدد الوافر من الروائيين الذين كتبوا الرواية التاريخية في فترة متقدمة، إلا أن المنحى التاريخي يحتاج من القاص أو الروائي إلى وعي عميق ومعرفة شاملة بالحياة الاجتماعية خلال الفترة التي يؤرخ لها فنيا، وعلى ذلك جاءت أعمال باكثير التاريخية، فيها نوع ملموس من التوازن بين متطلبات الحياة الاجتماعية والفنية، وتطلعه الجاد نحو تأصيل فني للرواية التاريخية الإسلامية، وبذلك جاء الحدث التاريخي في رواياته مرتبطا بالرؤية الاجتماعية التي كانت تنطلق من التاريخ وتميل به إلى معالجة الواقع.
 
ومن ثم نستطيع القول إن الرواية الفنية التي ظهرت مؤخرا في البيئة العربية قد تفرعت وتعددت ألوانها، يظهر هذا في التصنيف الذي أعده الدكتور محمد مندور للاتجاه القصصي الحديث عند العرب ؛ بادئا بأول نوع تفرع عن القصة الفنية الحديثة عند العرب وهو " الاتجاه التاريخي الذي ابتدأه جورجي زيدان، وجاء بعده فريد أبو حديد فجدد في معناه وحدد من وسائله وأوشك أن يخلقه خلقا جديدا في " الملك الضليل " و " زنوبيا "، وتبعه في ذلك شاب ينبعث منه الأمل وهو علي أحمد باكثير كاتب " أخناتون " و " سلامة القس " و " جهاد " (*)التي نالت إحدى جوائز وزارة المعارف، أما القصة التحليلية فتمثلها " سارة " للعقاد، ثم أدب الفكرة الذي يصدر عنه توفيق الحكيم، ومنحى طه حسين الذي يتميز بموسيقاه وتدفق عواطفه، وأخيرا لدينا الأدب الواقعي الذي برع فيه محمود تيمور "(2)
 
وتعد الفترة " ما بين 1939 – 1952 هي الفترة التي بدأ فيها التحول الحقيقي نحو اعتبار الرواية فنا يمكن أن تتوفر جهود الكاتب عليه، وفيها اتضحت معالم اتجاهات فنية وموضوعية ؛ بحيث لم يعد الكاتب يعتمد على مغامراته الفردية، وإنما يستند إلى تجارب سبقته على الطريق وإلى أسس ينطلق منها معاصروه من الكتاب، فالاتجاه نحو استلهام التاريخ اصبح يشكل معلما واضحا "(1)، فاهتم الأدباء والكتاب بكتابة الرواية التاريخية التي تعالج القضايا المعاصرة في الساحة العربية. وهذه الفترة هي فترة النضوج للرواية التاريخية، ولا أقصد التقليل من شأن الروايات التاريخية التي كتبت فيما بعد ولكنني أحسب أنها جاءت صدى لروايات تلك الفترة.

الصفحات