أنت هنا

قراءة كتاب الجسد البغيض للمرأة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الجسد البغيض للمرأة

الجسد البغيض للمرأة

لو تحدثنا عن جسد المرأة من موقع المغايرة، أي بوصفه جسداً له عالمه الخاص، لتبدَّى لنا أن جُل ما كُتِب باسمه أو حوله في التاريخ، وما يتردد حوله لا يمثّله، ليس في اعتباره العصيَّ على النظر والظفر بمعلومة" مجرد معلومة" تفيد في مقاربته ومكاشفته، وإنما لأن الأدبي

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6
هذا ما ينطبق، وبصياغات مختلفة، تبعاً لنوعية الموضوع على الفن والتصور العقيدي، والنثر والشعر والتصور القاعدي للخَلْق وترتيب المخلوقات وتراتبها القيمي أو الاعتباري.
 
يكون لدينا هنا: الجسد التلقيني، الإيعازي، الإرشادي، التعليبي، المأخوذ بعلامات بارزة..
 
إن الباحث في جسد المرأة "اللوياثاني"، من خلال ما لا يُحصى من الدراسات التي تعرَّضت له، يتملكه حس الغرابة وصدمة المدوَّن، وهو تحت وطأة هذا الإرث الثقافي والتاريخي المحوّر له.
 
لجسد المرأة اعتباره التاريخي الخاص جداً، كما لو أن الرغبة في كتابة تاريخ فعلي، ولكي تكون رغبة صادقة، وناشدة الحقيقة، لا بد أن تستند إلى إرادة معرفة، وهي أن تمنح هذا الجسدَ حضوراً أشمل، وكأن ثمة لزوماً إسعافياً هنا، لمعالجة التاريخ نفسه، وتطهيره من لوثاته التي لحقت به جرَّاء هذا العنف الموجَّه في جسد المرأة، سواء تحدثنا بوازع شعوري أو لاشعوري.
 
ليس على الجمال من حرج إن بذل قصارى جهده، لتعيين آليات عمل مغايرة، واستشرف أفقاً مغايراً للنظر في بنية هذا الجسد، رامياً إلى طرح مجمل ما سطّر عنه خلفاً، وتحديداً، حين يشار إلى العلاقة الرحمية أو الدلالية بين المرأة والدنيا، وهذا يمثّل تحدياً ـ في حد ذاته ـ لمن يحاول الحفاظ على مغزى هذا الربط، ومن ثم يقارب نوعية الحقيقة المتشكّلة وراء هذا الدفع بالتاريخ لأن يفصَح عنه هكذا ذكورياً تماماً، ليرد دَيناً، أعني يسترد حقوقاً، تجعل الجمالي جمالياً فعلاً!
 
جائزٌ هذا الطرح حين يُنظر في جسد المرأة وكيف أثقِل عليه، وغيّب عن الأنظار، أو جرى في الواقع اختزاله وراء أكثر من حجاب، وعادل الحجاب نفسه، كما لو أن المرأة لا تمتلك جسداً يتنفس أو يحيا نظير جسد الرجل، إنما جسد لا يُنظَر فيه إلا في حالات خاصة جداً، جسد محكوم بتاريخ لم يُستشَر فيه، أو يصغى إليه، وهو موضوع إزاء مجرّده من كينونة حيوية قادرة على أن يتكلم أو يقرّر مصيره، أو يقدّم اقتراحاً، أو يصدر حكماً على مقابله، من منظور قدرته على تأكيد الاختلاف، وروعة الاختلاف، حيث إن الجمالي ليس أكثر من الاعتراف بهذا التنوع.
 
إنه لتاريخ طويل هذا الذي استوقفنا كثيراً، وهو في حراكه اللافت، وتوليفه الغريب في محاولات كتابية متنوعة، تاريخ هذا التفنن الخاص جداً في إخراج الجسد، وكأنه مقرَّر مصيراً هكذا، ليكون قابلاً للاستعمال أو التداول، أو توليد المتع دون مراجعته، ورغم ذلك، لا يكف ممثل خطاب الذكر (وهل اللغة تتعدى الذكوري، وأرشيف الذكورة السيئ حتى اللحظة؟)، عن أن كل حديث عن غبن المرأة واضطهاد امرأة أو دونية المرأة، من قبل أي كان، وتحديداً من قبل القيّمين على المجتمع أو العقيدة، لا يخلو من جانب مؤامراتي وتحامل على التاريخ نفسه، بينما جسد المرأة لا ينفك يواجهنا بعطالة تاريخ، ودماء تنزف داخلاً وخارجاً،وصرخات ضحايا من النساء، وهدر حقوق، وتصميت أصوات، عندما نتعرف إلى هذا الجسد من خلال: الجارية والأمَة والمحظية والسريَّة، دون أن ننسى خاصيات العاهرة أو البغي أو المومس..الخ، وكل هذه التصنيفات لا تترك للمرأة باعتبارها الجسدي سبيلاً إلى راحة ما أو هدنة مع جسدها، لتنعم به أو لتستكين إليه بعيداً عن إيحاء وسواسي أو هاجس عصابي، وسوى ذلك من التهيؤات تلك التي تبقي المرأة جسداً مطروحاً خارج انتمائه الجنسي والنوعي، وبالتالي ليجري تمثيله قهرياً.
 
لا أدل على ذلك منذ البداية من اعتبارها معادلة للمهضوم أو حين يجري استمراؤها، كما أسلفنا على صعيد تخفيض مريع في نسبية حضورها إلى ما هو إنساني، ولأن الاستمراء من "المرأة" وهذه تأخذ بنا بعيداً إلى البدايات الميثولوجية والعقائدية، إذ تمتلك مفتاح السر لحظة تمازجها مع الشجرة الفردوسية المحرمة، أي بصفتها افتتحت الحياة الأخرى، كما لو أنها مأخوذة بها، ومن هنا يكون تاريخنا المرسوم في أكثر من مسار حياتي، تاريخ الحديث عن الحياة وصلتها بالمرأة تحديداً، وأن هذا التداخل بين كل من جسد المرأة وفاعلية الطعام، إنما هو تصعيد بالموقف من موقع المرأة بالذات. إنه اعتراف بخطورة المتحوَّل التاريخي باسمها، ولكنه تهويل لما جرى، وهو ما كان له أن يحدث دون هذا الانقلاب على حالة العماء الفردوسية، أي دون إماطة اللثام عن الجسد المغلَّف بالمحظور، أو المؤجَّل تفعيل قواه ومشاعره، وهو ما تم بحادث "مدبَّر" إلهي بالفعل، وفي الوقت الذي اُلتفَّ عليه كون الحادث خروجاً عن "النص" الإلهي أو طاعته!

الصفحات