نقدم لقراء العربية طبعة جديدة، مزيدة ومنقحة، لكتاب فيليب هامون "سميولوجية الشخصيات الروائية"، وهي الدراسة التي تناول فيها مجموعة من القضايا الخاصة ببناء الشخصية في النص السردي.
أنت هنا
قراءة كتاب سميولوجية الشخصيات الروائية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
وكما هي العادة، فقد كانت اللسانيات هي المنبع الذي اشتُقت منه جل المفاهيم المستعملة في مقاربة وتحديد نمط اشتغال الشخصية: سواء فيما يتعلق بتحديد مكونات النص السردي، أو فيما يتعلق بتحديد مستويات التحليل. وهكذا، عوض أن تكون مقولة الشخصية مقولة سيكولوجية تحيل على كائن حي يمكن التأكد من وجوده في الواقع، وعوض أن تكون مؤنسنة (قَصْر الشخصيات على الكائنات الحية ـ الإنسان خصوصا)، وعوض أن تكون مقولة خاصة بالأدب وحده، فقد نُظِر إليها في سياقنا هذا، على العكس من ذلك، باعتبارها علامة، يَصْدق عليها ما يصدق على كل العلامات. بعبارة أخرى، إن وظيفتها وظيفة خلافية، فهي كيان فارغ، أي "بياض دلالي" لا قيمة لها إلا من خلال انتظامها داخل نسق هو مصدر الدلالات فيها، وهو منطلق تلقيها أيضا.
ويعد هذا التصور الجديد للشخصية، وللعلامة في الوقت ذاته، انزياحا كليا عن كل المقاربات التقليدية التي لم تتعامل مع هذه المقولات إلا من زاوية نظر سيكولوجية أو اجتماعية، أو تعاملت معها في الكثير من الأحيان استنادا إلى رؤية ساذجة لا تميز عادة بين كائنات محكوم عليها أن تعيش في الورق وحده، وبين كائنات فانية من لحم ودم. واستنادا إلى هذا التأثير الذي مارسته اللسانيات على الإنسانيات عامة، وعلى التحليل الأدبي على وجه الخصوص، فإن النص الأول من هذا الكتاب يتبنى إجراءات اللسان ذاته، بما فيها مقولة مستويات الوصف وطريقة تحديد المكونات. وهكذا حدد المؤلف ثلاثة محاور تقوم عليها دراسة الشخصية في النص السردي:
1 ـ المحور الأول: مدلول الشخصية.
2 ـ المحور الثاني: دال الشخصية.
3 ـ المحور الثالث: مستويات التحليل.
ونشير في مستهل الحديث عن هذه المحاور، إلى أن المؤلف يقدم إلينا، استنادا إلى وجود ثلاثة أنواع من العلامات (العلامات التي تحيل على مرجع، والعلامات التي تحيل على محفل خاص بالتلفظ، والعلامات التي تحيل على علامة منفصلة، أي العلامات الخاصة بالوصل والفصل)، ثلاثة أنواع من الشخصيات، ليست، هي ذاتها، سوى وجه مفصل لما يمكن أن تختزنه هذه العلامات وتكثفه:
ـ شخصيات مرجعية؛
ـ شخصيات إشارية؛
ـ شخصيات استذكارية.
يحيل النوع الأول من الشخصيات على عوالم مألوفة، عوالم محددة ضمن نصوص الثقافة ومنتجات التاريخ (الشخصي أو الجماعي). إنها تعيش في الذاكرة باعتبارها جزءا من زمنية قابلة للتحديد والفصل والعزل، كما هي كل شخصيات التاريخ أو شخصيات الوقائع الاجتماعية، أو شخصيات الأساطير. ولهذا السبب، سيكون مطلوبا من القارئ في حالات التلقي الاستعانة بكل المعارف الخاصة بهذه الكائنات التي تعيش في الذاكرة في شكل أحكام أو مآسي أو مواقف. تعد هذه المعارف مدخلا أساسا من أجل الإمساك بالمضافات التي يأتي بها النص، أو هي نقطة مرجعية استنادا إليها يمكن إسقاط كل الانزياحات الممكنة عما تم تثبيته من مضامين.
أما النوع الثاني فيحدد تلك الآثار المنفلتة من المؤلف، تلك المحافل التي تدل على وجود ذات مسربة إلى النص في غفلة من التجلي المباشر للملفوظ الروائي. أو هي، بعبارة أخرى، "شخصيات ناطقة باسمه، جوقة التراجيديا القديمة، المحدثون السقراطيون، شخصيات عابرة، رواة ومن شابههم، واتسون بجانب شارلوك هولمز، شخصيات رسام، كاتب، ساردون مهذارون، فنانون الخ".