نقدم لقراء العربية طبعة جديدة، مزيدة ومنقحة، لكتاب فيليب هامون "سميولوجية الشخصيات الروائية"، وهي الدراسة التي تناول فيها مجموعة من القضايا الخاصة ببناء الشخصية في النص السردي.
أنت هنا
قراءة كتاب سميولوجية الشخصيات الروائية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
بول فاليري
تشكل مسألة الصيغ الخاصة بتحليل الشخصية، وكذا بتحديد وضعها، سواء كانت هذه الشخصية من طبيعة روائية أو ملحمية أو مسرحية أو شعرية، إحدى الركائز التقليدية في نظريات الأدب وفي النقد (قديمه وحديثه). ولقد بلورت البلاغة حول هذا المفهوم "صوراً" أو "أنواعاً" عديدة كالبورتريه وشعار النسب والمجاز والجناس التصحيفي والتشخيص، دون أن تصل مع ذلك إلى ضبط دقيق لهذا المفهوم. ولم تُؤَسس النمذجات الأدبية الأكثر تطوراً (أرسطو، لوكاتش وفراي الخ) إلا استنادا إلى نظرية خاصة بالشخصية تتميز ببعض الوضوح (البطل الإشكالي أو غير الإشكالي، التماهي، التطهير، نموذجي، فردي... الخ).
إن النموذج الذي ظل سائدا لحد الآن هو النموذج السيكولوجي(1) (انظر المصطلح الانجليزي(character والنموذج الدرامي (الأنماط والاستعمالات)، كما أن البحث الحدوثي عن "المفاتيح" (من هي إيرين؟ ومن هي فودر عند لابرويير) أو عن الجذور (من كان نموذجا لنانا عند زولا؟) ما زال يتمتع بكل قوته.
وقد أسهم نقد سيكولوجي قريب من التجريبية ومرتبط بتصور مبالغ فيه لموضوع ظل، مع ذلك، تقليديا، في جعل قضايا(2) الشخصية قضايا غامضة، ويتم تناولها بشكل سيئ في الوقت ذاته (وقد ساهم الروائيون أنفسهم في هذا الخلط بتصريحاتهم الأبوية التمجيدية تارة، أو المؤلمة تارة أخرى، وهي في جميع لحالات تصريحات نرجسية)، بحيث يتم الخلط باستمرار بين مقولتي الشخص والشخصية.
ومن البديهي أن أي تصور للشخصية لا يمكن فصله عن التصور العام للشخص أو الذات أو الفرد(3). والمثير في الأمر أن نرى عددا هائلا من التحليلات التي حاولت تقديم طريقة أو منهج يتسم بالدقة، تقحم نفسها في القضايا الخاصة بالشخصية، لتتخلى سريعا عن دقة التحليل، وترتمي في أحضان سيكولوجية مبتذلة (هل كان جوليان سوريل منافقا؟ وما نصيب تلك الحقبة في هذا النفاق، وما نصيبه هو وكذا الدروس الدينية فيه؟ كيف نفسر إطلاق النار على مدام دو رينال؟ إنه إبحار وسط مرافعات قانونية، كما لو أن الأمر يتعلق بأناس أحياء فعلا يتحتم علينا إيجاد مبرر مقنع لسلوكهم)(4).
وقد أكدت بعض الدراسات الحديثة أن "مقولة الشخصية ظلت، بشكل مفارق، إحدى المقولات الأشد غموضا في الشعرية، ومن جملة أسباب هذا الغموض هناك، بدون شك، قلة اهتمام الكتاب والنقاد بهذه المقولة كرد فعل على الحضور المطلق "للشخصية" في النص، وهي القاعدة التي كانت سائدة في نهاية القرن التاسع عشر (أرنولد بنيت: "إن أساس النثر الجيد هو تصوير الطبائع ولا غير ذلك")(5). ويقول جوناتان كالار من جانبه: "تعد الشخصية مظهراً أساسياً في الرواية، إلا أن البنيوية لم تعرها كبير اهتمام، وكان نجاحها في هذا الميدان ضئيلاً(6).
تكمن أولى مهام نظرية أدبية تتسم بالدقة ("وظيفية" و"محايثة" حسب تعبير الشكلانيين الروس) أولا في القيام بعملية وصف تصاغ داخل الإشكالية السميولوجية (أو السميائية كما تشاؤون) وتكون سابقة على أي تعليق أو تأويل ـ دون أن يعني ذلك أنها يجب أن تحل محل المقاربات التقليدية لهذا الموضوع ـ (الأسبقية لا تعني الأولوية).
إلا أن اعتبار الشخصية، وبشكل قبلي، علامة، أي اختيار "وجهة نظر" تقوم ببناء هذا الموضوع من خلال دمجه في الإرسالية منظوراً إليها هي الأخرى كإبلاغ، أي مكونة من علامات لسانية (عوض أن نقبلها كمعطى صاغه تقليد نقدي، وثقافة متمركزة حول مقولة الشخص الأناني)، يقتضي بأن يظل التحليل منسجما مع مشروعه، وأن يقبل بكل النتائج المنهجية المترتبة عن ذلك. ومن المحتمل أيضاً أن تعانق سميولوجيا الشخصية مشاكل وحدود السميولوجيا عامة. إن السميولوجيا ما زالت في طور التأسيس، وما زالت في بداية مد الجسور نحو تأسيس قواعد نظرية للتنظيم الخطابي للمعنى داخل الملفوظات: نظرية المحكي أو دلائلية الخطاب(7).
وفي هذا الإطار وحده، يمكن اقتراح نظرية للشخصية. إن ما سنقوم به هنا له كل الحظوظ في أن يجد له موقعا في التاريخ (إنه لا يقل أهمية عما كتبه الآخرون).