كان السؤال الذي يشغل المواطن العربي والمسلم في نهاية القرن العشرين هو: ما رأي أئمتنا وشيوخنا الأفاضل ومجاهدينا من قادة الفصائل الإسلامية في قضايانا المصيرية، وأبرزها قضية الصراع العربي الإسرائيلي والحالة العراقية الكويتية، وغيرها من القضايا الهامة·
أنت هنا
قراءة كتاب الدين والسياسة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الدين والسياسة
الصفحة رقم: 3
د· محمد المسفر : إذن نتفق على أن العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة في الفكر المسيحي إبان عصر النهضة، والإسلام ليس له علاقة بذلك المفهوم لأن نشأته في بيئة جغرافية واجتماعية وظروف سياسية ودينية تختلف عن واقعنا وبيئتنا منذ فجر الإسلام ·
الدكتور القرضاوي : ليست العلمانية كما جاءت في مقدمتك بأنها تعني عند البعض الإلحاد ، إنها لا تعني الإلحاد إطلاقاً لأن العلمانية تعترف بالله ولكن كما قال أحد الغربيين أنها تعترف بالله لكنها لا تجعل له مكاناً في تنظيم الحياة ·
د· المسفر : ما ذكرته عن إلحاد العلمانية هو ما جاء على لسان خطيب يوم جمعة في أحد المساجد وهذا ما دفعني أطرح هذا المصطلح لتبين فضيلتكم الرأي الصواب في هذا الشأن ·
الدكتور القرضاوي: يا دكتور محمد، لا تؤخذ الأفكار الإسلامية من خطباء المساجد، يجب أن تؤخذ من أهلها·
د· المسفر : في بيروت عقد المؤتمر القومي الإسلامي وقدمت سيادتكم بحثاً قيماً في ذلك المؤتمر جاء فيه أنه لا يوجد في الإسلام دولة دينية (كهنوت) وإنما دولة مدنية هل لك أن توضح ذلك؟
الدكتور القرضاوي : الدولة التي يريدها الإسلام ليست دولة بيروقراطية، ليست دولة الكهنة، إنها دولة مدنية مبنية على البيعة، دولة يختارها الشعب، لا تختار من المشايخ ولا من رجال الدين إنما يتم الاختيار من أكفأ الناس، من الأقوياء الأمناء الذين هم أقدر الناس على تحمل المسؤولية· ولذلك سيدنا أبو ذر الغفاري عندما طلب من الرسول عليه السلام أن يوليه إمارة أو ولاية قال له الرسول عليه السلام : يا أبا ذر إنك رجل ضعيف وإنها أمانة وإنها خزي وندامة يوم القيامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها وهو الذي يقول عن أبي ذر رضي الله عنه ما أقلت الغبراء ولا أضلت السماء أصدق لهجة من أبي ذر الغفاري لكنه لا يستطيع تحمل مسؤولية الولاية·
الدولة الإسلامية دولة مدنية أي أنها دولة تقوم على دستور وهذا الدستور يقوم على الشورى ويقوم على العدالة والمساواة، وتقوم على الأقوياء والأمناء من الناس ، دولة يستطيع فيها أي صاحب رأي أن يقول للحاكم: اتق الله، ويقول له: هذا خطأ وهذا صواب ·
وكما قال سيدنا أبو بكر في أول خطبة له أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم، إن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسددوني وعمر بن الخطاب عندما قال له رجل من عامة الناس اتق الله يا بن الخطاب، قال بعض جلساء عمر لهذا الرجل لا تقل هذا القول لأمير المؤمنين، فقال عمر عليه السلام دعه يقول ، فلا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها· أريد أن أقول هذه هي الدولة التي يجب أن تكون وليست دولة الكهنة· إنها دولة مدنية بالعقل لا دولة تقوم على القول إنما حللتموه في الأرض فهو محلل في السماء وما عقدتموه في الأرض فهو معقود في السماء دولة تعترف بأنه يمكن أن يخطئ الحاكم ويمكن ان يُصوَّب وقد صوبت امرأة عمر بن الخطاب واعترف لها بذلك حين قال أخطأ عمر وأصابت امرأة هذه الدولة المطلوبة ·
د· المسفر : بعض المفكرين يرون وجود أزمة بين التراث الإسلامي وبين العصر والحداثة هذا يقودنا إلى مسألة الإسلام والغرب، صراع أم تعاون أم ماذا؟ هل هناك صراع في مواجهة الإسلام الآن في ظل الظروف الراهنة؟
الدكتور القرضاوي: المشكلة في الحقيقة ليست فينا نحن، المشكلة في الغرب نفسه الذي ما زالت تحكمه عقد، هذه العقد تكمن في الخوف من الإسلام· بعضهم يسمي الإسلام الخطر الأخضر، بعد أن زال الخطر الأحمر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والخطر الأصفر وهو الصين حيث أصبح هناك تقارب بين الغرب والصين· فقالوا أن الخطر الجديد هو الخطر الإسلامي· هناك وهم عندهم بهذا الخطر المزعوم، أي أنه لا وجود لهذا الخطر، والحق أن ما نراه في البوسنة والهرسك مع الأسف هو تعسف ضد الإسلام والمسلمين· هناك حقد قديم على الإسلام والمسلمين بقايا الحروب الصليبية للأسف موجودة، عندما دخل اللورد ألنبي القدس في سنة 7 1 9 1 قال كلمة مشهورة اليوم انتهت الحروب الصليبية ، وعندما دخل القائد الفرنسي غوردن دمشق وقف عند قبر صلاح الدين الأيوبي وقال ها قد عدنا يا صلاح الدين· هذه الكلمات نطق بها القادة العسكريون من الأوروبيين بكل وضوح يقولها السياسيون ولكن ليس بصراحة العسكر، لكنها تظهر في مواقف مختلفة·