كان السؤال الذي يشغل المواطن العربي والمسلم في نهاية القرن العشرين هو: ما رأي أئمتنا وشيوخنا الأفاضل ومجاهدينا من قادة الفصائل الإسلامية في قضايانا المصيرية، وأبرزها قضية الصراع العربي الإسرائيلي والحالة العراقية الكويتية، وغيرها من القضايا الهامة·
أنت هنا
قراءة كتاب الدين والسياسة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الدين والسياسة
الصفحة رقم: 4
نحن ندعو إلى حوار مع الغرب ونقول آن لنا أيها الغربيون أن ننفض الغبار القديم وأن نزيح هذا الصدأ ونبدأ صفحة جديدة· وأنا من الذين يدعون إلى الحوار مع الغرب ومع العلمانيين ومع القوميين وليس في ذلك حرج· إننا نقترب في القضايا المصيرية ونقف صفاً واحداً ضد الأخطار التي تهددنا جميعاً· نحن أيضاً نقف مع الغربيين وهم أهل كتاب ونقف معاً ضد الإلحاد ضد تيار الإباحية والانحلال نقف معاً ضد الظلم والطغيان ، إننا ندعو إلى حوار مع الغرب ولكنه لا يتعامل معنا بهذه الروح وإن كنت قد لاحظت في بعض المواقف أنه حينما يوجد فكر يكون الأمر أقوى لقد التقيت منذ سنتين مع الشيخ الغزالي وبعض من علماء الأزهر في ألمانيا مع مجموعة من المستشرقين وبعضهم من رجال الدين وبقينا لمدة يوم عمل كامل في نقاش فكري وقد أزلنا الكثير من الشبهات ورددنا على الكثير من التساؤلات التي كانت في أذهانهم وقال بعضهم أن مثل هذه اللقاءات مثمرة ونافعة ، وفي فرنسا جرى حوار بين المسلمين وبعض المستشرقين الفرنسيين والبريطانيين وكان حواراً نافعاً ولكن هناك أشياء ظهرت على الساحة هي مسألة الحجاب في فرنسا فالمسلمات في فرنسا يشتكين: لماذا لا يمكننا أن نلبس ما فرضه علينا الدين الإسلامي؟ الإسلام يفرض علينا الحجاب، لماذا يا فرنسا، يا بلد الحريات، تفرضين علينا أن نخلع هذا الحجاب؟ كأن فرنسا في هذا السياق تفرض على المسلمة أن تتخلى عن دينها· هذا الإجراء ضد مبادئ الثورة الفرنسية وضد حقوق الإنسان وضد كل الدساتير الحديثة· قال بعض الحاضرين: لأن هذا الحجاب رمز ديني· قلت هذا ليس صحيحا· لأن الرمز الديني ما ليس له وظيفة إلا إنه شعار وإعلان ، مثل الصليب المعلق في عنق الإنسان، مثل نجمة داود على صدر اليهودي أو اليهودية أو القلنسوة التي يرتديها بعض اليهود على رؤوسهم أو مثل عمامة السيخ· هذه رموز دينية· الحجاب في الإسلام له وظيفة يؤديها عند المسلمة، وهي الستر والحشمة، وهذا أمر إلهي· وقلت لهم: مع هذا، كأنكم لم تمنعوا من يضع الصليب أو نجمة داود على صدره أو القلنسوة اليهودية على رأسه، وأعفيتم السيخي (السيخ) من لبس ما يشبه الخوذة التي توضع على رأس راكب الدراجة النارية، ودينه يأمره بلبس ذلك، فلماذا تتهاونون مع إتباع الديانات الأخرى وتتشددون مع المسلمين؟ أن هذا العقل بكل أسف من رواسب الحروب الصليبية، والحق أن المشكلة ليست معنا وإنما هي مع الغرب· نريد من الغرب أن يتخلص من هذه الرواسب ونقف الند للند في حواراتنا، وحتماً هناك نقاط للالتقاء بيننا وبينهم·
د· المسفر : مؤتمر حوار الأديان الذي تم في أسبانيا مرة، ومرة أخرى في مالطا، ألم تعط هذه المؤتمرات ثماراً لتقريب الفجوة بين الإسلام والغرب؟
الدكتور القرضاوي: مثل هذه المؤتمرات وغيرها لابد لها من أثر· لقد حدثني الأستاذ محمد المبارك رحمه الله أنهم التقوا بالبابا وبرجال الكنيسة في الفاتيكان وحاوروهم في عدد من القضايا وكان معهم الأستاذ محمد علي الحرقان أمين عام رابطة العالم الإسلامي في ذلك الوقت والدكتور معروف الدواليبي، وصدر عنهم كتاب يتضمن حقوق الإنسان بين الإسلام والمسيحية· أن مثل هذه اللقاءات لها آثار إيجابية لصالح الفريقين· نحن نقبل الحوار الذي لا تكون خلفه أهداف معينة، إذا كان لا يراد به استغلال قضية خاصة· الإسلام يعتبر أهل الكتاب أقرب إلى المسلمين من الوثنيين الملحدين· في سورة الروم، نجد أن القرآن بشر المسلمين أن الروم سينتصرون على الفرس، لأنه عندما انتصر الفرس على الروم سعدَ المشركون، وشمتوا بالمسلمين وقالوا لهم: إخواننا الوثنيون عباد النار انتصروا على إخوانكم أهل الكتاب· لقد حزن المسلمون على ما أصاب الروم بوصفهم أهل كتاب والمشركين فرحـوا · نزل القرآن ليقـول {غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ ا} الروم : 2-5·
نحن المسلمين نعتبر كل من لا يؤمن بالإسلام كافرا بهذا الدين وليس ملحداً، وحق بقية أتباع الديانات الأخرى اعتبار من لا يؤمن بدينهم كافرا· لكن الكفر درجات، هناك الإلحاد والوثنية وهناك أهل الكتاب، هناك النصارى أقرب إلى المسلمين {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى} المائدة : 28 · فلابد أن يراعى هذا في العلاقة فيما بيننا وبين غير المسلمين·
د· المسفر : جميل أن يتبنى شيخنا الداعية الدكتور يوسف القرضاوي الدعوة للحوار مع الأديان الأخرى، ولكن أليس من الأجدر والأولى ان ندعو إلى الحوار بين المذاهب والفرق الإسلامية· هناك جدل كبير بين بعض أهل السنة الذين يدعون إلى تكفير إتباع مدارس فقهية إسلامية أخرى· كان الأزهر الشريف في زمن الشيخ شلتوت رحمه الله قد عمل جاهداً من أجل الحوار بين أهل السنة والمذهب الجعفري، وقد حقق نجاحاً في ذلك الزمان للوصول إلى موقف موحد من بعض القضايا التي تمس الأمة الإسلامية· فبدلاً من الذهاب إلى الخارج للحوار مع أوروبا، كان الأجدر أن نبدأ الحوار فيما بيننا·
الدكتور القرضاوي: هذا القول فيه الشيء الكثير من الصحة· هناك بعض من المسلمين انتهى بهم الغلو إلى تكفير غيرهم وظهرت الجماعة التي تسمي نفسها جماعة التكفير، وكان لظهورها أسباب معروفة ولكن هناك تضخيماً لأهمية هذه الجماعات· إنها جماعات محدودة جداً وإن كان صوتها عالياً، وبعض أجهزة الإعلام تحاول أن تبرزه وتضخمه· وقد كتبت في هذا المجال قبل عشرين عاماً، رسالة اسمها ظاهرة الغلو في التكفير، لأني اعتبرت هذه الظاهرة خطيرة جداً· لأن بعضهم يكفر من لا يستحق التكفير· أن تكفر من يخالفك في شأن ما أمر لا يقبل· والإسلام شدد في أمر التكفير، فهذا في غاية الخطورة، لأن تكفير مسلم يعني إخراجه من الإسلام، وهذا يعني أنك حكمت عليه بالإعدام الأدبي والمادي معاً، حيث ان هناك رأي عند بعض الفقهاء يقول المرتد يقتل، وهناك من الفقهاء من رفض هذا الحكم وقال بل يُسجن ويُفرق بينه وبين زوجته وأولاده، لأن المرتد لا يؤتمن على أهله وليس مسلماً حتى يكون زوجاً لمسلمة· هذا أمر في غاية الخطورة· والعلماء قالوا لو عمل أحدكم عملاً فيه 99% يحتمل الكفر وعمل واحد يحتمل الإسلام نحمله على الوجه الذي يحتمل الإسلام إبقاءً لحال المسلم على الصلاح وإبقاءً له في دائرة الإسلام·