أنت هنا

قراءة كتاب وقت للعبث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
وقت للعبث

وقت للعبث

رواية "وقت للعبث" للكاتب الإسباني خافيير مارياس، والتي ترجمها إلى العربية الكاتب والمترجم علي ابراهيم الأشقر، نقرأ من أجوائها:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 2

هناك درجة من اللاواقعية في ما حدث لي، وفوق ذلك لم يُختتم بعد، أو ربما كان يجب عليّ أن استعمل زمناً آخر للفعل ـ زمن الماضي المطلق وليس القريب ـ كما استعمله الكلاسيكيون في لغتنا عند القصّ وأقول: ما قد كان حدث لي وإن لم يُختتم الحدث. وربّما كان أثار فيّ الضحك عند قصّه. لكني لا أؤمن بذلك، لأنه لمّا يصبحْ بعيداً، وميّتتي لا تقطن الماضي منذ مدّة طويلة، وهي بلا ريب لم تكن متسلّطة ولا عدوّة؛ لا أستطيع القول إنها كانت مجهولة، وإن كانت معرفتي بها ضئيلة لمّا ماتت بين ذراعيّ، في حين زادت معرفتي بها الآن. لحسن الحظ أنها لم تكن قد تعرّت بعد، أو لم تتعر عريّاً كاملاً، بل كنا بالضبط في سبيلنا لنتعرّى، كلٌّ منا يعرّي الآخر كما يحدث عادة في المرّة الأولى، أعني ما يحدث في الليالي الافتتاحية التي تتخذ مظهر الفعل المُرتجل، أو تتراءى عفوية إنقاذاً للحياء، ومن ثمّ القدرة على اكتساب إحساس بحتمية الأمر، وهكذا يُطّرح الإثم الممكن جانباً، فالناس يؤمنون بالمقدور وبتدخّل الجنّ إذا ناسبهم ذلك. وكأن للناس جميعاً مصلحة بالقول إذا حان الحين: «أنا لم أسعَ إلى ذلك، ولم أرده» إذا ما انجلت الأمور عن سوء، أو كانت وخيمة، أو إذا تاب المرء، أو تبيّن أنه ألحق الضرر بنفسه. «أنا لم أسع إلى ذلك، ولم أرده». ربّما وجب عليّ أن أقول الآن إذ أعلم أنها ماتت، وأنها قد ماتت على شكل غير ملائم بين ذراعي من غير أن تعرفني تقريباً، وما كان ينبغي لي أن أكون إلى جانبها من غير حقّ. قد لا يصدّقني أحد لو قلت هذا القول، ومع ذلك لا أهتم له كثيراً، لأني أنا من يقصّ القصّة، ويُسمع لي أو لا يُسمع لي: هذا هو كل شيء. أقول الآن إذاً، أنا لم أسعَ إلى ذلك ولم أرده. وهي لا تستطيع أن تقول ما أقول ولا أن تقول شيئاً آخر، ولا أن تكذّبني؛ وكان آخر ما قالته: «يا ربي! ومَنْ للطفل!» أمّا أول ما قالته: «لست على ما يُرام، لا ادري ماذا يحدث لي»، أعني أول شيء بعد قطع عمليّة التعرّي، فقد كنّا وصلنا مخدعها، وكنا شبه مستلقيين، شبه كاسيين، شبه عاريين. وانسحبت بغتة، وغطّت شفتي وكأنها لا تريد أن تقبّلهما من غير أن تنتقل من مداعبة أو لمسة حنان أخرى، ونحّتني بلطف بقفا يدها، واستلقت على جنبها وقد أولتني ظهرها، ولمّا سألتها: «ماذا بك؟» فأجابتني: «لست على ما يُرام. لا أدري ماذا يحدث لي. فرأيت حينئذ قفا عنقها الذي لم أكن رأيته قط، وقد ارتفع شعرها قليلاً وتجعّد قليلاً وتبلّل بالعرق قليلاً ولم يكن الطقس حاراً، قفا تسع عشري تجري عليها أخاديد أو خيوط من الشعر الأسود الملتصق كدم في سبيله ليجفّ أو كطين، أو كرقبة من انزلق في الحمّام. ومازال لديه فسحة من الوقت ليغلق الصنبور، كل ذلك كان سريعاً جدّاً ولم يفسح المجال لصنع شيء. لم يفسح المجال لطلب طبيب (لكن، أي طبيب يُطلب في الساعة الثالثة فجراً. والأطبّاء حتى في ساعة الغداء لا يذهبون إلى البيوت)، ولا لإعلام جارٍ (لكن، أيّ جارٍ إذا كنت لا أعرف الجيران، ولم أكن في بيتي، وما كنت قطّ من قبلُ في ذلك البيت الذي أنا مدعّو إليه، وأنا الآن دخيل، حتى لم أدخل ذلك الشارع، وإنما كنت مرات قليلة في الحيّ منذ مدّة بعيدة)، ولا إلى مخابرة الزوج (لكن، كيف يمكنني مخابرة الزوج، وفوق ذلك هو على سفر، حتى أني لا أعرف اسمه كاملاً)، ولا إلى إيقاظ الطفل (ولأي شيء أوقظ طفلاً بُذل جهد كبير كيما ينام)، ولا إلى أن أحاول تقديم العون لها، فقد أحسّت بالمرض فجأة وفكّرت في البداية أو فكرنا أن العشاء أثقل عليها لكثرة ما تخلّله من تقطّع، أو فكرت أنا وحدي، أنها ربما أكتأبت أو ندمت أو ساورها خوف، والأشياء الثلاثة تتخذ غالباً شكل الانقباض والمرض: الخوف والكآبة والندم خاصّة إذا تزامن هذا الأخير والأفعال التي تثيره، كل الأفعال في آن واحد؛ نعم، ولا، وربمّا، وأثناء ذلك تتابعت كلّها أو زالت، والتعاسة هي في أنك لا تعرف، ولكنك ملزم بالعمل، فلا بدّ لنا من إعطاء الزمن مضموناً، الزمن الذي يضغط ويتابع جريانه من غير انتظار لنا، فنحن نسير أبطأ منه: التعاسة في اتخاذ قرار من غير علم والعمل من غير علم، وبالتالي نترقّب ترقباً، وأكبر كارثة وأكثرها شيوعاً أن نترقّب ما يأتي بعد ذلك، نراها بالطبع على أنها كارثة صغرى، لكنها بمرأى منّا جميعاً كل يوم.

الصفحات