أنت هنا

قراءة كتاب وقت للعبث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
وقت للعبث

وقت للعبث

رواية "وقت للعبث" للكاتب الإسباني خافيير مارياس، والتي ترجمها إلى العربية الكاتب والمترجم علي ابراهيم الأشقر، نقرأ من أجوائها:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 3

هي شيء يعتاده المرء اعتياداً فلا يلتفت إليه كثيراً. احسّت بالمرض ولا أجرؤ على تسميتها. مارتا هذا ما كان اسمها، وتيّبث كنيتها، قالت إنها أحست باضطراب وسألتها: «أي نوع من الاضطراب، في المعدة أم في الرأس؟»، «لا أدري. هو اضطراب رهيب في كل أنحاء جسمي. أحس بنفسي أموت». ذلك الجسم الذي أخذ يصبح ملك يدي؛ يدان تجريان في كلّ الاتجاهات، يدان تضغطان أو تداعبان، أو تتحرّيان وتضربان أيضاً (أوه، كان ذلك من غير إرادة مني، من غير قصد، ربّما من غير انتباه)، حركات آليّة تقوم أحياناً بها اليدان اللتان تتقريّان كامل جسم ما تزالان لا تعرفان إن كان يلذّ لهما، ثم يعاني هذا الجسم فجأة الاضطراب، وعكة هي أشدّ الوعكات غموضاً تشمل الجسم كلّه كما قالت هي، وكان آخر ما قالته: «أحس بنفسي أموت»، لم تقل ذلك تفصيلاً وإنما جملة جاهزة. هي ما كانت تصدّق الأمر ولا أنا أيضاً، وفوق هذا كانت قالت: «لست أدري ماذا يحدث لي». وألححتُ عليها لأن السؤال طريقة في تجنّب العمل، ليس السؤال فقط، وإنما الكلام والقصّ يبعد القبلات ويمنع الضرب واتخاذ إجراءات، والتخلّي عن الأمل. وماذا كان بوسعي أن أعمل خاصّة في بداية الأمر لمّا كان كل شيء يبدو عارضاً حسب قواعد ما يجري وما لا يجري، قواعد تتحطّم أحياناً؛ «لكن، ألديكِ رغبة في التقيّؤ؟» هي لم تجب بالكلمات وإنما أومأت نافية بحركة من رقبتها التي عليها ما يشبه الدم الجاف أو الطين، وكأن النطق يثقل عليها. نهضتُ من السرير ودرت حوله وركعت قربها لأرى وجهها، ووضعت يدي على زندها (اللمس يواسي، ولنذكر يد الطبيب). كانت عيناها مغمضتين وقد أطبقت عليهما بأهدابها الطويلة وكأنما يؤذيها ضوء المنضدة الليلية الذي لم نطفئه (لكني كنت أفكر في إطفائه سريعاً، وكنت شككت قبل مرضها في أن أطفئه أو أتركه حتى حين. كنت أريد أن أرى، بل كنت في سبيلي لأرى ذلك الجسد الجديد الذي كان سيلذّ لي يقيناً، فلم أطفئه). وتركته مشعلاً، وقد يكون ذا نفع لنا الآن نظراً إلى حالتها الطارئة، إلى مرضها أو انحطاط قواها، أو الخوف أو الندم؛ «أتريدين أن أستدعي طبيباً؟» وفكّرت في أرقام هواتف الطوارئ التي لا أترقّب أن تجيب، وتبدو كخيال الظلّ في اللائحة الهاتفية. ورفضتْ مرة أخرى بحركة من رأسها، وسألتُ: «أين موضع الألم؟» فأشارت من غير رغبة إلى منطقة غير محدّدة تشمل الجذع والمعدة وأسفل المعدة، في الواقع تشمل الجسم كله ما عدا الرأس والأطراف. كانت معدتها مكشوفة، أمّا الصدر فلم يكن كذلك كله، كانت ما تزال تضع على ثدييها حاملة الثديين من غير حمّالة، وإن كان دبّوسها قد فُكّ، كانت أثراً من آثار الصيف وتشبه القسم الأعلى من (بكيني)، وكانت ضيّقة عليها، وربما لبستها قديمة إلى حدّ ما، لأنها كانت بانتظاري هذه الليلة، وكان كل شيء قد أُعدّ خلافاً للمظاهر والمصادفات التي اختُلقت بعناية كيما تقودنا إلى سريرها ذاك (أعَلم أن بعض النساء يستعملن مقاييس صغرى لإبراز أثدائهنّ). كنت فككت الدبّوس، لكن قطعة القماش لم تسقط، لأن مارتا كانت ماتزال تثبّتها بذراعيها، أو بإبطيها ربما من غير رغبة الآن: «أزال الألم عنك؟»، «لا، لا أدري. ربما لم يزل». قالت مارتا تيّيث بصوت أصبح غير ناعم وإنما صار مشوّهاً جرّاء الألم أو القلق، لأني في الحقيقة ما كنت أعلم إن كانت تتألّم. «انتظر قليلاً، أكاد لا أستطيع الكلام»، أضافت. والمرض يبعث على الكسل، ومع ذلك قالت شيئاً آخر، فهي لم تكن على درجة كبيرة من المرض حتى تغفل عني، أو أنها كانت محترمة في كل ظرف، وإن كان الظرف حالة نزع. ففي تعاملي الضئيل معها بدت لي شخصاً محترماً (لكنّا ما كنا نعلم حينئذ أنها في سبيلها لتموت): «مسكين!» قالت، «ما كنت تحسب هذا الحساب. ما أرهب هذه الليلة!» ما كنت أحسب حساب شيء، أو ربما نعم، كنت أحسب حسابها هي. والليل لما يصبح رهيباً حتى تلك الساعة، وإن كان مضجراً قليلاً، ولم أعلم إن كانت تحدس بما سوف يحدث لها عمّا قليل، أو أنها تشير إلى الانتظار المرهق بسبب الطفل الذي لا ينام. فنهضت ودرت حول السرير مرة أخرى واستلقيت على الجانب الذي كنت أشغله من قبل، أي على الجانب الأيسر مفكراً (رأيت قفا رقبتها المتيبّسة المخطّطة المتشنّجة كأنما أصيبت بالبرد): «لعلّ من الخير لي أن أنتظر ولا أسألها خلال فترة ما، وأدعها هادئة لأرى إن كان يزول عنها الألم ولا أُلجئها إلى الإجابة عن أسئلة، ولا أعاين كل بضع ثوان إن كان تحسّن وضعها قليلاً أو ساء قليلاً، فالتفكير في المرض يفاقمه، كما هو الحرص عليها حرصاً مفرطاً في دقتّه».

الصفحات