"الأعمال الشعرية 2/1" للكاتب والشاعر السوري نوري الجراح، الصادرة عام 2008 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر -بيروت، والتي يقول الشاعر نوري الجراح في مقدمة كتابه:
هل يحقُّ للشاعر أن يتكلم عن شعره؟
أنت هنا
قراءة كتاب الأعمال الشعرية 2/1 - نوري الجراح
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
![الأعمال الشعرية 2/1 - نوري الجراح الأعمال الشعرية 2/1 - نوري الجراح](https://files.ektab.com/php54/s3fs-public/styles/linked-image/public/book_cover/mu489f.jpg?itok=pNNsOklF)
الأعمال الشعرية 2/1 - نوري الجراح
VIII
لأي قارئ سأقول كفَّ عن تذكّر اسمي، وانس أنكَ عرفتَ هذا الاسم، انس وجودي لأتمكن، أنا أيضاً من نسيانه، لأتمكن من أن أجهل اسمي ووجودي اللذين لا يكفان عن تهديدي· خذ القصيدة، واترك الشاعر·
لا تفكِّر بي بالطريقة التي فكَّرْتَ أنها تليق بهذا الشخص·· الحقائقُ هي الأوهامُ، لقد امتلأت وهماً، وملأتك، ولم يعد ينقصني، إذا أصلُ وأجدُ يومَ الناس مسجَّى في دمٍ لا نهايةَ له، إلا أن أتمدَّدَ فيه، وأُشبهه، أن أشعر بقوةٍ أنني هالكٌ مثله، أن أكفّ عن الاعتقاد بانتصارٍ طالما هددني به وجودي، فأغريتُ به نفسي وأغريتك، أيها القارئُ الوهميُّ، القارئ الذي طالما توهَّمْتُ· لم يعد يكفيني لأستحقَّ عبورَ هذا اليوم، إلا أن أخون صورتي، إلا أن أتمادى في خيانةِ صورتي·
IV
بالكلمات تهدم شخصاً، بالكلماتِ تستعيدُهُ من الموت، بالكلمات تفتحُ وجوداً وتدخلُ، تغيبُ في زهرةٍ وتظهرُ في أخرى، تنهلُ من الرَّحيقِ وتنهلُ من الموتِ الذي في الرَّحيقِ، ومن ثم تكون قصيدتُك عسلاً، لكن نهارَك يُمسي غريباً لأنه خَرَجَ إلى قصيدتك وترككَ فارغاً، لأنَّكَ خلوٌّ من كلِّ روحٍ، لأنك ميتُ في حياةِ القصيدةِ، ولأن حواسَك الهاربة تعيشُ في الكلماتِ، الكلماتِ التي ما تنفصل عنك إلا لتؤكِّدَ أنها عَدُوُّكَ، الكلماتِ التي تخرجُ منك لتؤكِّدَ أنك لم تعد لها، ولم تعد لكَ· أنتَ لم تعد موجوداً·
***
الكلماتُ تحملني على التساؤل: من الأكثر خطورةً، الشاعر أم القارئ؟ الشاعرُ يلعبُ بدمه والقارئُ يتفرَّجُ· يلعبُ الشاعرُ بدمه، لا لأنه يستهينُ بوجوده، ولكن لأن نداء عميقاً، مسَّا غريبا يسري في دمه، ويهمس إليه، فيُفْتَتَنُ حتى ما يعودُ يُطيق حدودا لجريانِ الرُّوحِ في الجسد وجريانِها في الأشياء·
أهو همس الأسرار النِّعَمُ السريَّة، الجمالُ مروِّعاً، والجمالُ مروَّعاً لأن المخيلة تعمل، حرّة ومنفلتة حتى من شاعرها··
***
يخسرُ الشاعر كلَّ شيءٍ ولا تبقى له إلا الكلمات·· وعندما لا تبقى له حتى الكلمات، عندما لا تعود تكفيه، عندما لا تعود ممكنةً، من الأخطر، أهو ذاك الأكثر ديمومة؟ أم الأكثر عَرَضاً في عبورِهِ وانقضائه؟
بالكلماتِ يثري القارئُ بما يملأه شعوراً وضياءً، ويذهبُ الشاعرُ إلى فراغه المعتم·
لمنْ أكتبُ، لمنْ كتبتُ هذه الكلمات؟
نوري الجرّاح
من نص محاضرة حول الشعر كتبت وألقيت سنة 1991