أنت هنا

قراءة كتاب التربية الروحية وتزكية النفوس

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التربية الروحية وتزكية النفوس

التربية الروحية وتزكية النفوس

هذه الحياة الدنيا، ما هي إلا أيام وليل ودقائق تمضي متتابعة حاملة معها كل أقوالنا وأفعالنا، وإذا هي في النهاية سجل لنا أو علينا، وصحائف شاهدة بما قدَّمنا فخير لنا أن نسير على صراطه المستقيم، وأن يكون لنا من صالح الأعمال رصيد يضمن لنا لقاء ربنا وهو راض عنا غي

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 1

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيِّد المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين، و استفتح بالذي هو خير قوله تعالى: {قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي لأمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي} [طه:25 – 28].
لقد أظلَّنا زمان تراكمت فيه أسباب الشقاء، وتضافرت فيه المحن والضيق ونكد العيش، واشتدت متاعب الحياة، وطغت المادة، وهزلت الروح، وقست القلوب، وأظلمت النفوس، وتضاعفت الهموم، وأدلهمت الخطوب، فما أحوجنا اليوم الى الله، والرجوع إليه، والاعتصام بحبله المتين، والعمل بكتابه الكريم، والاقتداء بسنة رسوله الأمين محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، تلك هي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلُّوا كتاب الله وسنتي)) .
هذا هو السبيل إلى صفاء الروح وغذائها، وتزكية النفوس ونقائها، وإحياء القلوب وجلائها، وتقويم الأخلاق وتهذيبها، وغرس محبة الله تعالى في القلوب، ومخافته وطاعته، وابتغاء رضوانه، والعمل بهدي نبيه ومحبته والاقتداء بسيرته ودعوته، وتوثيق العهد والبيعة مع الله سبحانه، مخلصين له الدين مع صدق الإنابة والتوكل عليه، لا نحب إلا لله، ولا نبغض إلا لله، ولا تكون الأخوّة في الله ولله، أخوة صادقة كالمرآة الصَّافية، ترصد الميل عن الطريق وتعدله، وأن يكون التَّناصح والتَّغافر لله أداة الخير، وسبيلاً لتعاون على البر والتَّقوى، وعلى حسن الأداة للأمانة وصيانتها، وصحبة الخير تعين على فعل الخير، وتوحيد القلوب، وتزكية النفوس، وتزيد إلفتها وودها لمن تحب وتألف، فالأرواح جنود مجنَّدة، ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف، ولا يتمُّ الود والأخوة وتآلف بين القلوب إلا إذا كانت متشابهة، غذاؤها واحد والمعين الذي تنتهل منه هو كتاب الله وسنَّة رسوله، وإدامة ذكر الله، وتجديد التوبة، والاستغفار، والدعاء، والمراقبة، ومحاسبة النفس، والحياء من الله تعالى ومن رسوله صص، وذكر الموت، واليقين بأنَّه المصير المحتوم لكل حي طال الأجل أم قصر في هذه الدنيا الزائلة، فهو مصلَّت على الرقاب، لا أحد يدري متى يدركه ويقطعه إلا الله الواحد القهار {كل نفس ذائقة الموت.....وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [آل عمران: 185]، فأي دافع وأي حافز أقوى من ذكر هادم اللذات للإقبال على الله بقلب منيب والتزود وأن خير الزَّاد التَّقوى والتَّواصي بالحق والصبر، وإدامة العمل {والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر: 1-3].
هذه الحياة الدنيا، ما هي إلا أيام وليل ودقائق تمضي متتابعة حاملة معها كل أقوالنا وأفعالنا، وإذا هي في النهاية سجل لنا أو علينا، وصحائف شاهدة بما قدَّمنا فخير لنا أن نسير على صراطه المستقيم، وأن يكون لنا من صالح الأعمال رصيد يضمن لنا لقاء ربنا وهو راض عنا غير غضبان، وأن يكون لدينا من الكلم الطيب ما يتيح لنا أن نعطر ألسنتنا بذكره وشكره على نعمائه وحسن الظن به وصدق التوكل عليه وإخبات القلب له والإنابة إليه {من خشي الرحمان بالغيب وجاء بقلب منيب} [ق: 33].
هذه من الثَّوابت في التَّربية الرُّوحية، وتزكية النُّفوس في الإسلام، متمماً للجوانب الأخرى، فلا تكتمل شخصية المؤمن إلا بتمام الفهم والتكوين من كل الجوانب والنواحي عقيدياً وفكرياً وروحياً وإيمانياً وعلمياً وعملياً، فلا عمل بلا علم، ولا عمل بلا عقيدة وفكر، ولا عمل بلا تقوى في القلوب ،وزكاة في النفوس، وصفاء في الأرواح، فالنور الذي في القلب تستضئ به الجوارح في أفعالها، يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: ((التقوى هاهنا أشار إلى صدره الشريف ثلاث مرات)) .
فالقلب هو الأمير، والجوارح جنده، فإذا صلح الأمير صلحت جنده، وفي الحديث: ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ألا وهي القلب)).ومن ثم نجد التَّوجيهات الربَّانية تتوالى على المسلم في توجيهه إلى حقيقة القيم الباقية والقيم الزائلة، فالحياة في هذه الأرض محدودة بأجل، إنَّما الجزاء هناك، والكسب والخسارة هناك،{فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} [آل عمران: 185]، فلا عاصم لهم إلا الصبر والتقوى والاستقامة، والإصلاح بين الناس، وإعمار الأرض، والصبر في المحن، وتجنب الفتن، والصبر على المتاعب الطريق.

الصفحات