أنت هنا

قراءة كتاب يا أيها الإنسان - قراءة تأملية في عالمية الخطاب القرآني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يا أيها الإنسان - قراءة تأملية في عالمية الخطاب القرآني

يا أيها الإنسان - قراءة تأملية في عالمية الخطاب القرآني

أحمدُ الله الَّذي خلقَ الإنسان، علَّمَهُ البيان، والّذي رفعَ السَّماء، ووضعَ الميزان، وأصلِّي وأسلِّمُ على رسولِ الله حاملِ الوَحْي، وقائدِ الخَلْق إلى الحقّ، والمثلِ الأعلى للخليقة الَّذي اجتمعَتْ فيه كَمالات النَّفس والخلُق، وعلى آلهِ الأطهار، وأصحابِه ال

تقييمك:
4.66665
Average: 4.7 (3 votes)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 2

(1) ذِكْرُك في كتابِ رَبِّك

إنْ رُمْتَ أخي الإنسان أنْ تسألَ عن نِجارة أصْلِك، وكريمِ مَحْتدِك، وعراقَةِ إنسانيتِك، فأنتَ في لغة العرب من الجَذْر الثلاثيّ أنَسَ)، فإذا قيل: أنسَ فلانٌ بفلان فيعني أنّه سكنَ إليه واطمأنّ، وذهبتْ به وحشتُهُ، ففرحَ وجَذِلَ.
وأصلُ لفظِك: إنْسِيان؛ لأنَّ العربَ قاطبة قالوا في التصغير: أُنَيْسِيان، وجمعُك ناس، وأناسين، وأناسيّ. ويقال للمرأة إنسان، ولا يقال: إنسانة، والعامةُ تقولُه.
وأنتَ في اصطلاح الشّرائع، وعُرْف العقلاء: كائن حَيّ، ناطق، مُفكّر، مُكرّم، مسؤول، راقٍ ذهناً وعقلاً، مكلّف بحمل الأمانة.
وأنتَ من سُلالةٍ من طين، أصلُك جَليٌّ جلاءَ الشمس، وشجرةُ نَسَبِك أوثقُ شجرة في الكون، ولستَ قِرْداً من سُلالة القرود كما زعمَ الخرّاصون.
وأنتَ قبضةٌ من طين الأرض، ونفخةٌ من روح الله، قبضةٌ من طين الأرض تتمثّلُ فيها عناصرُ الأرض المادية، ورغائبُها وضروراتُها، وقبضةٌ من روح الله تتمثّلُ فيها إشراقةُ الرّوح الصافية، وقوةُ الوعي المدركة، وقدرةُ النفس المريدة.
وقد بثَّ ربُّك ( من أبويك آدمَ وحواء رجالاً كثيراً ونساء، فأنتَ اليومَ واحدٌ من ستة مليارات من البشر الأحياء الذين يقطنون ستَّ قارات تنتشرُ في هذا العالم الواسع.
ولقد ذكرَك ربُّك المَلِكُ القُدّوسُ في كتابه العزيز، وحَملتْ إحدى سُورِه الكريمة اسمَك، وخصَّكَ بخطابِه وندائِه؛ ليشرِّفَك ويُشعرَك بقربه منك، وحبِّه لك، وأنّك مناطُ تكليفِه، وموضعُ عنايتِه وإكرامِه، ومحلُّ رحمتِه ولطفِه.
ولقد جعل لك ربُّك الرَّافعُ المُعزّ قيمةً عظيمة، وأعلى لك شأنك، ورفع لك قَدْرَك، وحَبَاك مكانةً سامقة، وفضَّلك على كثير ممّنْ خلقَ تفضيلاً.
ذكرَكَ ربُّك العَليُّ الكبيرُ في كتابه العزيز خمساً وستين مرّة، منها ستّ مرات وردت في سُورة واحدة هي القيامة، ومنها مرّتان ذكرَك فيهما بصيغة النِّداء.
وفي كلّ هذه المرّات التي ذكَرَك فيها ربُّك السَّلامُ المؤمنُ لم يأمرْك بصيغة الأمر المعروفة، ولم يَنْهَك بصيغة النَّهي المألوفة، وإنّما تحدّثَ عنك، وتحدّثَ إليك:
تحدّثَ عن أصلِ خَلْقِك، وحذَّركَ من عدوِّك، وبيّنَ صفاتِك وتقلُّبَك، وحمَّلَك مسؤولية أعمالك، ووصّاك بوالديك، ودعاك إلى التفكّر في خَلْقك، وفي طعامِك، وأعلمَك بأنّه سيبعثُك بعدَ مماتِك.
وتحدّثَ إليك بنداءٍ كريم، فأخبرَك أنّك ستجدُ ما تكدحُ وتعمل، وسَتُحاسَبُ عليه يومَ القيامة، وستقابلُ ربَّك الجليل، ليس بينَك وبينَهُ تَرْجَمان.
وتعجّبَ ربُّك الكريم في حديثه إليك من جرأتِك عليه مع أنّك خَلْقٌ من خَلْقِه، فما يغرُّك، وما يُبْعدُك عنه، وهو الذي خلقَك فسوَّاك فعدَلَك في أيّ صورةٍ ما شاءَ ركَّبَك.
وربُّكَ الكريمُ إذ يتحدّثُ إليك، ويتحدّثُ عنك فإنّما يريدُ أنْ تكونَ إنسانيتُكَ سَويّةً متّزنة كخَلْقِك السَّوي المتّزن، وتكونَ إنسانيتُكَ جميلةً قويمة كخَلْقِك المركَّب في أجملِ صورة، وأحسنِ تقويم، وذلك ليتوافقَ في كيانِك الخَلْقُ والخُلُق، ويتكاملَ فيك الجوهرُ والمظهر، فتغدو الإنسانَ الذي أرادَهُ ربُّك، وكرَّمَهُ ربُّك، وأحبَّهُ ربُّك.

الصفحات