أنت هنا

قراءة كتاب مسألة الوحدة والتقريب - بين المذهبية السمحة والاستقطاب الطائفي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مسألة الوحدة والتقريب - بين المذهبية السمحة والاستقطاب الطائفي

مسألة الوحدة والتقريب - بين المذهبية السمحة والاستقطاب الطائفي

كتاب "مسألة الوحدة والتقريب - بين المذهبية السمحة والاستقطاب الطائفي"، إن دورة الحضارة والتاريخ قد أظلت عالمنا اليوم، ونحن في قعر حالة التخلف العلمي والحضاري، وهو أمر مقبول ومألوف في تاريخ الأمم والشعوب، فقد عاشت أوربا في العصور الوسطى وما قبلها، حالات أشدّ

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 2

حضارة الغرب وأثرها على البيئة والسلام العالمي

لقد أفرزت الحضارة الغربية التي كانت العولمة آخر وأعظم ثمارها، الكثير من مظاهر الظلم والفساد في الأرض، حتى طال الإنسان والحيوان والنبات، وأثّر على كافة مظاهر الحياة في المعمورة. وهذه الحقيقة المؤلمة والخطيرة لا تنفي الفضل الكبير لها على التقدم العلمي والتكنلوجي والحضاري بشكل عام، فان خمسة قرون من عمر الحضارة الغربية الحديثة، كحضارة رائدة وقائدة للحضارة البشرية، منذ عصر النهضة وحتى الآن، شهدت تطور علمي هائل في كافة الميادين، لاسيما فيما يخص الجانب المادي والتجريبي. ولكن ذلك لا يمنع من تأشير وتحديد السلبيات والإخفاقات والأخطاء التي ارتكبتها تلك الحضارة بحق الإنسان والحياة على الأرض، لاسيما ما يتعلق بالبيئة والأخلاق والسياسة والاقتصاد، التي تعبر عن أبرز أركان حضارة الإنسان المعاصر. لقد وصل خطر العبث بالبيئة وتلويثها على سبيل المثال، إننا نعيش اليوم حالة تلوث بيئي عظمى لم تشهدها الأرض فيما مضى، مما يهدد الحرث والنسل، وينذر بكارثة كبرى قد تطال الجميع، بسب الفلسفة المادية والرؤية المصلحية السائدة والنظم الميكافيلية البراكماتية الفاسدة ، التي تبنتها حضارة الغرب المادية، والتي لمس العالم آثارها خلال القرنين الماضيين، ممثلة بالتوجه الغربي الرأسمالي الاستعماري، الذي يقوم على الهيمنة والسيطرة على السوق ومصادر التصنيع الأولية، وفق رؤية الصراع مع الطبيعة وصدام الحضارات الغربية، ووفق النظرة الامبريالية الغربية لامتلاك الأسواق والخامات الأولية بمختلف الوسائل الاستعمارية المعروفة. وتشكل الصفات الرأسمالية أهم ملامح العالم الرأسمالي كالاحتكار واستهلاك المظهر والربا والسحت وتكديس المال لدى طغمة رأسمالية ترليونية محدودة، لا تكترث بمصالح الأمم والشعوب، إلا بقدر ما تحقق البرامج المعتمدة مصلحتها العليا، والمتمثلة في حصر رأس المال وأدواته بيدها وتحت سيطرتها. ومن المظاهر البيئية التي نعيش آثارها اليوم، والمسببة للفساد والتلوث العالمي، هي: تلوث الهواء والماء والتربة بالغازات الملوثة والمواد المشعة الناتجة عن التفاعلات النووية، وظاهرة الإفراط في استهلاك الطاقة - لاسيما الطاقة الأحفورية كالنفط وأشباهه- وخلال فترة قصيرة لم تتجاوز القرن، مما سبب تفاقم مشكلة التلوث البيئي والاحتباس الحراري وارتفاع نسبة الكربون والغازات الملوثة للغلاف الجوي. وهي الغازات والملوثات المنتجة في المصانع الكبرى التي تدار من قبل الشركات عابرة القارات ومتعددة الجنسيات، فضلاً عن تأثير عوادم السيارات والآليات والأدوات البتروكيمياوية التي تصنع للاستخدام البشري، دون مراعاة للبيئة والآثار البعيدة للتلوث البيئي، وغيرها من المظاهر السلبية التي أثرت على حضارة الإنسان، رغم الرقي والتقدم العلمي الذي واكب المنجزات العلمية والثورة الصناعية التكنولوجية والمعلوماتية في عالم اليوم. وقد تنبه العالم لظاهرة التلوث البيئي والتغير المناخي الحاد مؤخراً، فأقيمت خلال السنوات القليلة الماضية مؤتمرات عالمية عديدة لمعالجة آثار التلوث البيئي على المناخ، تحت مسمى قمة المناخ، كان أولها مؤتمر قمة المناخ في مدينة كيوتو/ اليابان سنة 2008م، ونتج عنه بروتوكول كيوتو البيئي الذي يلزم الدول بالتفاوض على آلية تطبيقه في المؤتمرات القادمة، ثم مؤتمر قمة المناخ في كوبنهاكن/الدانمارك في ديسمبر 2009م، وأخيراً مؤتمر قمة المناخ في كانكون/ المكسيك في ديسمبر 2010م، ولم تتفق الدول على موعد تطبيق بروتوكول كيوتو، لاسيما الدول الصناعية الكبرى بسبب اعتراضها على تقليل نسبة إنتاج الكربون الملوث الرئيسي للغلاف الجوي والبيئة، والمسبب للاحتباس الحراري وارتفاع معدلات درجة الحرارة في الأرض إلى أربع درجات فوق المعدل خلال العقود الأخيرة، فضلاً عن التلوث الإشعاعي النووي والتلوث البايولوجي الجيني والفايروسي، وغيرها من مسببات التلوث البيئي التي تحتكرها الدول الكبرى وفق برامجها السرية والتسليحية.
إزاء تلك الحالة الحرجة التي يمر بها العالم - لاسيما بعد عصر العولمة الحالي - يصبح الدور الحضاري والمشروع الوحدوي الإسلامي هو واجب الوقت، ويشكّل ضرورة حضارية وأخلاقية، لإنقاذ حضارة الإنسان المعاصرة، وآثارها الضارة على الحياة والإنسان، والتوجه الحضاري العالمي الذي يقوده الغرب، من الانحراف المهلك والمدمر للحضارة الإنسانية ولوجود الإنسان والحياة على الأرض بشكل عام. إن حالة التأزم التي يشهدها العالم اليوم، فضلاً عن حالة التخلف والفساد والتمزّق التي يمر بها العالم الإسلامي، تدعونا للعمل الجاد من أجل الخروج من تلك الهوة السحيقة التي تحيط بعالمنا، وهو ما يعوّل عليه الإنسان المعاصر في الشرق والغرب، للخروج من الأزمة الحضارية الخانقة التي تواجه الإنسان على الأرض في عصرنا الحاضر. إن الحضارة العادلة تهذّب سلوك الأقليات الدينية والعرقية، وحيثما وجدت الحضارة العادلة الرحيمة، فان أهل الكتاب من اليهود والنصارى وغيرهم يسلكون السلوك الصحيح مع من حولهم، وان كانت حضارة ظالمة، أو حُكم البلد من قبل حاكم طاغي أو مغتصب محتل، وفرض على البلد الظلم والجور والفساد، فان ذلك سيشجع الأقليات على الانفلات من الالتزام بالحدود الشرعية والأخلاقية، والاستئثار والانحياز نحو الظلم والتجاوز والعدوان، وهو ما يحصل اليوم في معظم البلاد الإسلامية.
إن العنصرية الدينية والعرقية والخصومة السياسية كانت ولا زالت من المظاهر المرضية المزمنة التي شهدها الإنسان، وقد ترعرعت تلك الثقافة العنصرية في الغرب مع بداية عصر النهضة، ثم انتقلت إلى الشرق الإسلامي عبر موجات الاستعمار المتعاقبة، منذ الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش في الأندلس ثم موجات الاستعمار الحديث، لتغرقنا في بحر من الثقافات والإيديولوجيات والتوجهات العنصرية المتصارعة، التي تداخلت مع ثقافتنا المحلية، لتصبح الجزء السلبي والمفكّك للثقافة الإسلامية الأصيلة المستمدة من القرآن وهدي النبوة، من خلال نشر دعوات الصراع العرقي والديني والسياسي، التي لم تكن في أسلافنا. يقول الإمام جعفر الصادق في ذم الخصومة في الدين: إياكم والخصومة في الدين، فإنها تحدث الشك وتورث النفاق. لقد كانت الطورانية التركية – على سبيل المثال - أول إسفين زرعه يهود الدونمة بإيحاء من الغرب وثقافته العنصرية والتوراتية، بين الترك وبين العرب وباقي القوميات في الإمبراطورية العثمانية، من خلال حزب الاتحاد والترقي الذي قاد تركيا، في أواخر عهد الدولة العثمانية، وكان معظم قادته من اليهود. وكانت تلك الفتنة العرقية من أسباب سقوط الدولة العثمانية على يد دول الغرب الاستعمارية، من خلال التحالف السياسي الذي تشكل بين العرب وبين المستعمر الغربي، وربما المخطط نفسه تكرر مع الأرمن وغيرهم من الأقليات، بما يعكس عقلية الغرب في استغلال وضع الأقليات العرقية والدينية لتحقيق مصالح غربية محددة..
وبعد نشوء الدول العربية والإسلامية الحديثة في أعقاب سقوط الدولة العثمانية، ظهرت الأفكار القومية العلمانية وانتشرت بين الشعوب الإسلامية، لتشكل جداراً عازلاً وحاجزاً ثقافياً بين شعوبها الموحّدّة والمتداخلة. وكان السلاح الثاني، الذي استخدم لتمزيق الأمة إلى فرق وطوائف وأحزاب متنافرة ومتناحرة - بعد سلاح الصراع القومي - مع دخول الاستعمار الأمريكي أرضنا الإسلامية في مطلع هذا القرن، هو سلاح الاستقطاب الطائفي وتحويل الدولة، التي يراد تطبيق تكنولوجيا السلوك عليها وبث الصراع بين طوائفها، إلى أقاليم ودول طوائف وأعراق متنازعة. وقد مورس الاستقطاب الطائفي بشكل منهجي غير ظاهر، من خلال الحرب العراقية الإيرانية والحرب الأهلية اللبنانية وبعض أقطار الخليج العربي، في العقود التي سبقت حقبة الهيمنة الأمريكية الحالية على العالم العربي. لقد مورست عملية تفعيل الاستقطاب الطائفي المبرمج، سواء أكان بين السنة والشيعة، أم بين المسلمين والمسيحيين وكذلك اليهود. وتمّ تغذية الصراع والاستقطاب والتناحر العرقي والديني بين الأعراق والأقليات الدينية والقومية الأخرى، وفي أماكن عديدة من العالم الإسلامي. لكل ذلك لابد من معالجة أشكال التأزم الثقافي والديني والعرقي بين المسلمين، من خلال تسليط الضوء على مفهوم الاستقطاب الطائفي وأسباب ظهوره وتفشيه بين المسلمين، وكذلك تسليط الضوء على أبرز التيارات والجهات التي تبنته كخيار ديني أو عرقي. وسنحاول في هذا البحث المختصر طرح رؤى وأفكار معاصرة تعتمد مرجعية القرآن والسنة ومنهج الوسطية والاعتدال، في الإجابة عن أسباب التخندق الطائفي والعرقي والجهوي الذي خيّم على حياتنا، والذي أصاب ثقافتنا الأصيلة بالشلل والسلبية. وسنحاول أيضاً الإجابة على بعض الأسئلة المهمة ومنها: هل يمكن للمذهبية المنفتحة والتوجه القومي المعتدل الذي يحترم الخصوصية، أن يكون حلاً مناسباً وطريقاً صحيحاً لتفعيل التسامح والتوازن والتكامل الإسلامي وتحقيق حلم الوحدة الإسلامية، مع تعدد الدول والأقاليم، كما كان شائعاً في العالم الإسلامي في ظل حضارة القرآن وتاريخ الإسلام السياسي قبل الغزو الاستعماري الغربي؟. وكذلك العمل الجاد من أجل المشروع الوحدوي الوطني، الذي بات من ضرورات وجودنا القومي والديني والحضاري والإنساني، لضمان المصالح المشتركة للدول والشعوب الإسلامية، ومواجهة المشروع الاستعماري الغربي وأدواته المتعددة، والذي يهدف إلى فرض الهيمنة وتكريس التبعية للغرب بشتى صورها، ويسعى إلى التكيف والتطبيع مع مشروع الأمركة والعولمة، والخضوع التام لأجندة الآخر الأقوى، ممثلاً بالغرب الرأسمالي الصهيوني الصليبي، حسب نظرية تبعية المغلوب للغالب؟.
ربما يكمن جزء من الإجابة على السؤال أعلاه، في الشعار الحضاري الذي يحترم القوميات والأعراق والأقليات الأخرى، بالاتساق مع التأكيد على أسبقية وأهمية التوحيد الديني، والذي ينسجم مع روح القرآن وحضارته الواقعية المتسامحة، وهو: أسبقية التوحيد الديني على الوحدة القومية، واندماجهما في الحياة العملية بسبيكة واحدة . وهو ما يضمن ويؤمّن احترام القوميات والأديان معاً، ويدعو إلى التعايش الديني والقومي بسلام ومحبة وتكامل، وكذلك ارتباط مكونات المجتمع الإسلامي الدينية والقومية بتراث وتاريخ مشترك ومجيد، منذ ظهور الإسلام وحتى اليوم .
إن هويتنا العربية الإسلامية مرهونة بحل تلك الإشكالية، التي باتت تهدد وجودنا الحضاري والثقافي، في صميم منهجه الوحدوي الوطني في التسامح والتعايش والتحاور مع نفسه، ومن خلال أطيافه وتياراته ومذاهبه العديدة، فضلاً عن الآخر الذي أمرنا الله سبحانه أن نتعايش معه، مهما اختلف معنا في اللون أو الجنس أو الدين، باعتبارنا أمة الحضارة والرسالة، وإن التعايش والتسامح هو من أبرز ملامح حضارة القرآن، كما أكد القرآن الكريم وجسّدته سيرة المصطفى وسنته الصحيحة.قالتعالى:(ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) . كما أكد النبي هذه الوحدة بين بني البشر والمساواة بين أجناسهم وألوانهم في حجة الوداع، فتلا الآية أعلاه، ثم قال: ألا أنه لا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي، ولا أسود على أحمر ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى .

الصفحات