أنت هنا

قراءة كتاب مسألة الوحدة والتقريب - بين المذهبية السمحة والاستقطاب الطائفي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مسألة الوحدة والتقريب - بين المذهبية السمحة والاستقطاب الطائفي

مسألة الوحدة والتقريب - بين المذهبية السمحة والاستقطاب الطائفي

كتاب "مسألة الوحدة والتقريب - بين المذهبية السمحة والاستقطاب الطائفي"، إن دورة الحضارة والتاريخ قد أظلت عالمنا اليوم، ونحن في قعر حالة التخلف العلمي والحضاري، وهو أمر مقبول ومألوف في تاريخ الأمم والشعوب، فقد عاشت أوربا في العصور الوسطى وما قبلها، حالات أشدّ

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 6

أما المسلم الحنيف فقد ورد ذكره في القرآن بضعة عشر مرة، وهي التسمية اللائقة بالمؤمن الموحّد، والتي اختارها الله سبحانه، والإسلام ملة أبينا إبراهيم الخليل الذي سمانا مسلمين. قال تعالى: وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين. وقال: وما أمرو إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة .
وقال: ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله، وهو محسن، واتبع ملة إبراهيم حنيفاً، واتخذ الله إبراهيم خليلاً .
والإسلام هو عقيدة جميع الأنبياء والمرسلين، لذلك لا ينبغي للمسلم أن يسمي نفسه باسم آخر يكافئ ويوازي الإسلام ديناً وعقيدة. قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإسلاموَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ. ويجدر بالمسلم أن يبتعد عن التسميات الطائفية والحزبية في التدليل على الدين والعقيدة. وإذا استقر اسم الإسلام الحنيف في الوجدان، فلا بأس حينئذٍ من الانتماء المذهبي أو النسبي أو القبلي أو القومي، لغرض التعارف والتكامل وتعلم الفقه والعبادة. قال تعالى: يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
إن التسمية الفرعية يمكن أن تستخدم كَكُنْية، للتدليل على الشعب والقبيلة والمدرسة الفقهية، دون أن نرتبط بها تعصباً أو تفاخراً أو تمييزاً بين المسلمين. والحنيف هو المائل إلى الحق والمنحاز له والعائد إلى مرجعية القرآن وتعاليمه ولغته المقدسة، مقارنة مع أية لغة أخرى يتكلم بها بنو قومه أو غيرهم من الأمم والشعوب. والحنيفية أيضاً هي الانتماء إلى المنهج الرباني، كما ورد في القرآن الكريم، وتمثّله الأنبياء والمرسلون على الأرض، وفي مقدمتهم نبينا إبراهيم الحنيف أبو الأنبياء، وبقية الأنبياء والمرسلين من آل إبراهيم وآل عمران والنبي العربي الخاتم وآله وصحبه الميامين. قال تعالى: : قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وماكان من المشركين. وقال: ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان في المشركين. وقد قال نبي الرحمة في توكيد أهمية الحنيفية والانتماء إليها: إنما بعثت بالحنيفية السمحاء. وفي لفظ آخر: إن أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحاء .
أما تبني المذهب الوسطي الحنفي (أو ما يشابهه من المذاهب المعروفة) فهي مسألة اجتهادية، سواء أكانت اختياراً أم وراثة عن الأهل والمحيط الذي يعيش فيه المسلم. إن الإتباع المذهبي في الفقه والعبادات دون تعصب مذهبي، أمر واجب عند الكثير من العلماء والفقهاء، لأن المذاهب الإسلامية المعروفة، هي مدارس أصيلة متفق عليها، وطريقة شرعية للتفقه في الدين والتعبّد لله سبحانه. وهي بالطبع لا ترقى إلى مستوى الدين الواحد الذي يجمع المسلمين، ولكنها تثمر عن الفهم والفقه المطلوب بحدّه الأدنى للتكاليف الشرعية. وان الدعوة إلى ترك التمذهب والإتباع المذهبي التي شاعت في عصرنا الحالي، إنما هي دعوة متعسفة فيها نظر. وهي دعوة مبطّنة لصالح أحد المذاهب أو أحد الرموز الدينية، أو هي عملية تجهيل للمسلم بأمور دينه والتفقه فيه ـ سواء بقصد أم بغير قصد ـ فلا تعارض ولا تناقض بين الدعوة للوحدة الإسلامية عقيدة وديناً والإيمان بها وبين إتباع المذاهب الإسلامية المعروفة، سواء عند الجمهور أم الإمامية أم الظاهرية، ولا يمكن بأي حال لأحد المذاهب الإسلامية أن يستوعب أو يمثّل التسنن أو التشيع، فضلاً عن استيعاب الإسلام كله كدين، يمثّل رسالة الله الخاتمة على الأرض، ولكن المذهب يمكن أن يمثّل فئة من المسلمين لهم مدرستهم الفقهية والتعبدية، وهو جزء من كل يمثّل أمة الإسلام بمذاهبها وتياراتها وشعوبها وقبائلها، وهم سواسية مع غيرهم كأسنان المشط، ولا يقبل من أحد فرداً كان أم جماعة أم مذهب، أن يزكّي نفسه ويميّزها عن باقي المسلمين. ولا يمكن أن يُقبل من أحد الادعاء بالفوقية أو الانفراد بتمثيل الدين أمام الله أو الادعاء بأنه وجماعته يمثلون الفرقة الناجية في الآخرة، فان ذلك في علم الله سبحانه. والفرقة الناجية -كما يذكر العلماء- هي منْ تنطبق عليها صفات الإسلام والإيمان والإحسان، بغض النظر عن المذهب والتوجه. يقول الإمام حسن البنا، وهو يحث أتباعه على فضل إتباع المذاهب الإسلامية التي تأسست على هدي الكتاب والسنة: ينبغي على المسلم أن يتبع أحد المذاهب الإسلامية للتفقه في الدين، ما لم يصل درجة النظر في النصوص الشرعية. ويقول أحد الفقهاء من أئمة التابعين: ليس الفقيه من يعلم الحلال والحرام، إنما الفقيه من يعرف أفضل المصلحتين وأخف الضررين . وتلك هي درجة النظر التي ينبغي أن يصلها المسلم حتى يستغني عن إتباع أحد المذاهب الفقهية. ولذلك من الحكمة والمصلحة أن يتبع المسلم المذهب الفقهي الذي نشأ عليه وتعلم أصوله وتعرف على أحكامه، لأداء الشعائر والعبادات، لحين وصوله مرحلة التفقه في الدين والارتقاء إلى درجة النظر في النصوص الشرعية والله أعلم.

الصفحات