أنت هنا

قراءة كتاب مسألة الوحدة والتقريب - بين المذهبية السمحة والاستقطاب الطائفي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مسألة الوحدة والتقريب - بين المذهبية السمحة والاستقطاب الطائفي

مسألة الوحدة والتقريب - بين المذهبية السمحة والاستقطاب الطائفي

كتاب "مسألة الوحدة والتقريب - بين المذهبية السمحة والاستقطاب الطائفي"، إن دورة الحضارة والتاريخ قد أظلت عالمنا اليوم، ونحن في قعر حالة التخلف العلمي والحضاري، وهو أمر مقبول ومألوف في تاريخ الأمم والشعوب، فقد عاشت أوربا في العصور الوسطى وما قبلها، حالات أشدّ

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 7

صور الإسلام الثلاثة في القرآن والسنة

إن بعض الناس يقصرون الإسلام على رسالة محمد وعلى الإسلام الخاتم فقط، وهذا خطأ وتضييق لمفهوم الإسلام الذي عرضه لنا القرآن وأكدته السنة النبوية، في العديد من النصوص الإسلامية المقدسة. لقد أطلق القرآن الكريم اسم الإسلام على ثلاثة معانٍ ربانية كريمة. وهي الإسلام العام وهو خضوع الكون لله سبحانه. والثاني هو الإسلام الخالد، الذي أنزله سبحانه على الأنبياء، وهو رسالة الأنبياء والمرسلين جميعاً. والثالث هو الإسلام الخاتم وهو رسالة النبي محمد للعالمين منذ بعثته والى يوم الدين.
إن الإسلام الكوني يشمل جميع المخلوقات في الكون، لأن دينونة الخلق وعبوديتهم وخضوعهم بالفطرة هي لله رب العالمين، وان إسلامهم - أي استسلامهم - له دون غيره سبحانه. وهو الخضوع التام لكافة المخلوقات والكائنات على الأرض وفي كونه الفسيح لله سبحانه. والإسلام الكوني يعني التسليم والخضوع والانقياد لمشيئته المطلقة، والتسبيح والعبادة له سبحانه، بما نعلم وما لا نعلم من طرق التسبيح والعبادة التي يُلهمها الله سبحانه لمخلوقاته التي لا تحصى في الكون. وهو بهذا المعنى يشمل جميع ما خلق الله في هذا الكون الفسيح، في السماوات وفي الأرض. فالشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب، كلها مخلوقات مسلمة لله، والملائكة كلهم مسلمون لله، قال تعالى: ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات، ومن في الأرض، والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب، وكثير من الناس وكثير حقعليهالعذاب، ومن يهن الله فما له من مكرم، إن الله يفعل ما يشاء. وقال: يسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن، وان من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم، انه كان حليماً غفوراً .
والمعنى الآخر للإسلام الذي يعبّر عن صورته الثانية، هو أنه دين الأنبياء والمرسلين جميعاً، ورسالة التوحيد التي بشّروا بها الناس، من عصر آدم إلى عصر النبي محمد . والإسلام بهذا المعنى هو كل رسالة أرسل الله بها إلى رسولٍ من رسله، وكل وحي أوحاه الله إلى نبي من أنبيائه. وان كل نبي من السابقين هو مسلم، وجاء بالإسلام، وان دينه هو الإسلام، ورسالته رسالة الإسلام، وأتباعه الذين آمنوا به هم المسلمون. إن أتباع نوح مسلمون، وأتباع إبراهيم مسلمون، وأتباع موسى وهارون – أي بنو إسرائيل – مسلمون أيضاً، وكذلك أتباع داوود وسليمان وعيسى كلهم مسلمون، مثل أتباع محمد لا فرق بينهم، فهم كتائب الإسلام الخالد عبر الزمن، منذ عصر آدموحتى قيام الساعة. قال تعالى: وإن هذه أمتكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاعبدون. ترى هل يمكن لدين أن يجمع كتائب الإيمان وأتباع الرسل في كل العصور بتلك الصورة التوحيدية الوحدوية الرائعة، ويجمع تراث الأنبياء وسيرتهم ورسالتهم للجبابرة والطغاة والظَلَمَة، بأن يسلموا لله الواحد الأحد، مثلما صوّر القرآن الكريم وقاله نبي الإسلام ؟.
فالأنبياء كلهم مسلمون وأقوامهم كلهم مسلمون موحّدون بنص القرآن والهدي النبوي. قال تعالى مخبراً على لسان نوح وهو يقول لقومه: فان توليتم فما سألتكم منأجر،إن أجري إلا على الله، وأمرت أن أكون من المسلمين. وقال عن إسلام إبراهيم: ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه، ولقد اصطفيناه فيالدنيا، وانه في الآخرة لمن الصالحين، إذا قال له ربه أسلم قال: أسلمت لرب العالمين. ويقول تعالى على لسان بني إسرائيل قوم موسى: ربنا أفرغعليناصبراً وتوفنا مسلمين .وعن الحواريين أتباع عيسى وصحابته المقربين، قال تعالى: قال الحواريون نحن أنصار الله، آمنا بالله، واشهدبأنامسلمون، ربنا آمنا بما أنزلت، واتبعنا الرسول، فاكتبنا مع الشاهدين( (55. وقال تعالى مخبراً عن إسلام الأنبياء والرسل أجمعين: قل آمنا بما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم، لا نفرق بين أحدٍ منهم، ونحن له مسلمون.
وقال النبي محمد : الأنبياء أخوة، لعلّات أمهاتهم شتى، ودينهم واحد. وفي الإسراء والمعراج صلى النبي محمد بالأنبياء إماماً في بيت المقدس، مؤكداً بذلك أن دينهم واحد وأنه إمامهم وقائدهم وخاتمهم، في أروع تعبير رباني عن وحدة الدين والرسالة التي أرسل بها الأنبياء جميعاً. ويبين الرحمة المهداة في حديث جميل آخر، أن رسالته هي الرسالة المتممة للرسالات السابقة، والمكملة لها، فيما يروي البخاري ومسلم، فيقول : مثلي ومثل الأنبياء قبلي، كمثل رجل بنا بنياناً، فأحسنه وأجمله، إلاموضع لَبِنَة، من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت تلك اللَبِنَة، فأنا تلك اللَبِنَة، وأنا خاتم النبيين .
وأخيراً وفي صورته الحسنى التي ينبغي أن يعرفها الناس ويؤمنوا بها كما نزلت من عند الله، هي الإسلام الخاتم والرسالة الخاتمة الصافية الواضحة الخالية من التحريف والنقص، الذي أصاب بقية الكتب السماوية والرسالات الإلهية السابقة، بما استحفظ الناس من كُتب وزُبر ورسالات إلهية، قال تعالى: بما استحفظوا من كتاباللهوكانوا عليه شهداء. فلم يحافظوا عليها ويمنعوا عنها التغيير والتبديل والإضافة والحذف، على أيدي النسّاخ والكتبة الذين غيّروا الكلم عن مواضعه في الكتب المنزلة على أنبيائهم، من الذين استعاذ منهم النبي (أرميا) نفسه، الذي عاصر الغضب الإلهي على بني إسرائيل، وتسليط الملك البابلي نبو خذنصر عليهم، بسبب كفرهم وكذبهم وانحرافهم عن منهج الإسلام. فأنذر قومه بالعذاب والعقوبة الماحقة، التي لا تبقي ولا تذر، وهو يلعن أصحاب الأقلام الكاذبة . قال تعالى: منالذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ودين محمد هو الرسالة الخاتمة التي نزلت على قلب النبي العربي، لتكون نسخة الإسلام الكاملة الخالية من التحريف والتغيير والناسخة لما قبلها، والباقية إلى يوم الدين. فدينه هو الإسلام، وأتباعه هم المسلمون، وهذه الصورة وهذا المعنى للاسلام هو المعروف عند الناس، واليه ينصرف معنى الإسلام عند استعماله. ولا تناقض بين استعمال الإسلام بهذا المعنى الخاص، واستعماله بالمعنيين السابقين اللذين ورد ذكرهما في القرآن أيضاً. لأن الإسلام هو دين الوجود كله، فهو دين البشر جميعاً، جاء به كل نبي من السابقين، وبه جاء خاتم النبيين، وبه ختمت جميع الرسالات، وبه نسخت جميع الشرائع . إن الإسلام هو الدين عند الله، ورضيه لنا ديناً، وهو سبحانه الذي تعهّد بحفظه من التبديل والتحريف والتغيير، مهما حاول خصوم الإسلام أن يكيدوا ويخططوا لتبديله والقضاء عليه، لأنه الرسالة الإلهية الخاتمة، التي جعلها الله مهيأة وجاهزة لإنقاذ البشر في كل الأرض، حين يطلبون الهداية والنور والحق.

الصفحات