أنت هنا

قراءة كتاب مسألة الوحدة والتقريب - بين المذهبية السمحة والاستقطاب الطائفي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مسألة الوحدة والتقريب - بين المذهبية السمحة والاستقطاب الطائفي

مسألة الوحدة والتقريب - بين المذهبية السمحة والاستقطاب الطائفي

كتاب "مسألة الوحدة والتقريب - بين المذهبية السمحة والاستقطاب الطائفي"، إن دورة الحضارة والتاريخ قد أظلت عالمنا اليوم، ونحن في قعر حالة التخلف العلمي والحضاري، وهو أمر مقبول ومألوف في تاريخ الأمم والشعوب، فقد عاشت أوربا في العصور الوسطى وما قبلها، حالات أشدّ

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 9

مفهوم الأمة الواحدة في المنظور القرآني

لقد ورد ذكر عبارة (الأمة الواحدة) في القرآن مرتين وفي آيتين متقاربتين في اللفظ والمعنى، في سورة الأنبياء وسورة المؤمنون، في سياق الحديث عن قصص الأنبياء السابقين لرسالة النبي محمد . وهي قوله تعالى في سورة الأنبياء: إن هذه أمتكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاعبدون. وقوله في سورة المؤمنون: وان هذه أمتكم أمةًواحدةً وأنا ربكم فاتقون.
وينتهي السياق في السورتين، بالإشارة إلى أن أتباع الرسل وأقوامهم الذين آمنوا بهم، هم كتائب الإيمان عبر العصور، التي تشكل الأمة الواحدة، التي هي بنفس الوقت أمة الإسلام الخاتم، كما أشار القرآن. ويذكرنا الله سبحانه، بأنه تعالى ربنا الواحد لا شريك له، وهو الخالق العظيم رب العالمين على امتداد الزمان والمكان. وهذه حقيقة قرآنية مهمة، تؤسس تصور متميز في ثقافة المسلم، بأنه جزء من أمة الإسلام الخالد الذي بعث به الأنبياء جميعاً، ودينهم دين واحد وربهم واحد ورسالتهم واحدة، وهم الأمة الواحدة المؤمنة بالله وكتبه ورسله، التي شكلت تلك الكتائب المباركة عبر الزمن، وفي شتى بقاع الأرض، منذ عصر آدم وحتى قيام الساعة، مما يعطي المسلم شعوراً ربانياً وحدوياً فريداً مهما استوحش الطريق، ومهما عظمت الفتن والكروب من حوله، فيقرأ في القرآن ما يطمئن قلبه ويقرّ عينه بتلك الأمة الواحدة المؤمنة بربها عبر العصور.
تتناول سورة الأنبياء قصص بعض الرسل، فتتحدث عن قصة إبراهيم مع قومه الوثنيين، بأسلوب مشوق مع بيان قرآني معجز ونصاعة متألقة وقوة حجة وبرهان.. وفي قصته وسيرته عبر وعظات. ثم تتحدث السورة عن الرسل الكرام (إسحاق ويعقوب ولوط ونوح وداود وسليمان وأيوب وإسماعيل وإدريس وذي الكفل وذو النون وزكريا وعيسى) بإيجاز، مع بيان الشدائد التي تعرضوا لها، وتختم ببيان سيرة سيد المرسلين محمد . وقد سميت (سورة الأنبياء) لأن الله تعالى ذكر فيها جملة من الأنبياء الكرام في استعراض سريع، وذكر جهادهم وصبرهم وتضحيتهم في سبيل الله وتفانيهم في تبليغ الدعوة لإسعاد البشرية.
تتحدث السورة في الآيات من 51 إلى 94 عن قصص الأنبياء وأقوامهم باعتبارهم يشكلون أركان الأمة الواحدة الربانية الممتدة عبر الزمان والمكان، والمستوعبة الزمان كله لوجود الإنسان على الأرض، والمكان كله أينما وجد الإيمان والتوحيد على الأرض. وحيثما كانت الرسالة ونشأت الدعوة إلى دين الله في العصور السابقة واللاحقة، على يد الدعاة والربانيين والأولياء الصالحين، ليس في أرض العرب والمسلمين فحسب، بل في كل أرض يذكر فيها اسم الله وتدين بالعبودية له. وتلك الرؤية القرآنية لها تأثير عميق في شعور المؤمن، وهي تربط بين عصور الأنبياء وتجعلها في إطار واحد هو إطار الأمة الواحدة المرتبطة بالله ورسالته الخالدة. وحينها سيشعر المسلم - أينما كان - بأنه جزء مهم من كتائب الإيمان عبر تاريخ الإنسان الطويل، ويتأمل قصص الأنبياء كما وردت في القرآن، باعتبارهم أبطال عالمه وحياته في الصراع بين الحق والباطل، وما يواجهه من صعاب في طريق الدعوة الى الله سبحانه، ويعدّهم القادة الميدانيين الذي رفعوا راية التوحيد في الأرض، يتقدمهم ويأمّهم النبي الخاتم محمد ، ويستخلص من جهادهم ودعوتهم العبرة والموعظة، ويستمد القوة منهم وهو يقرأ القرآن لمواصلة الطريق والوصول إلى الهدف الأسمى، ألا وهو حسن الخاتمة ودخول الجنة، وتحقيق العدل والسلام والسعادة في الأرض، بمعية من معه من المؤمنين، الذين يشكّلون في عصرنا الحاضر البقية الباقية من الأمة الواحدة، التي تشترك فيما بينها بوحدة العقيدة والدين ووحدة الرسالة والهدف والأخلاق. لأن أتباع الأنبياء جميعهم يعبدون إله واحد ودينهم واحد هو الإسلام الخالد.
قال تعالى: ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءاً وذكراً للمتقين. الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون. وهذا ذكرٌ مباركٌ أنزلناه أفأنتم له منكرون. ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين... ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً وكلاً جعلنا صالحين. وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين. ولوطاً آتيناه حكماً وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوءٍ فاسقين. وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين. ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له، فنجيناه وأهله من الكرب العظيم. ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوءٍ فأغرقناهم أجمعين. وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين... وأيوب إذ نادى ربّه أني مسني الضرُّ وأنت أرحم الراحمين. فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرٍّ وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين. وإسماعيل وإدريس وذا الكفلِ كلٌّ من الصابرين. وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين. وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظنّ أنْ لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فاستجبنا له ونجّيناه من الغمِّ وكذلك ننجي المؤمنين. وزكريا إذ نادى ربه ربّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين. فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين. والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آيةً للعالمين. إن هذه أمتكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاعبدون. وتقطّعوا أمرهم بينهم كلٌّ إلينا راجعون. فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون .
وفي الآيات أعلاه يتحدث الله سبحانه عن الرسل ودورهم في الدعوة إلى دين الله، ثم يعرّج على توكيد مفهوم الأمة الواحدة في وعي المؤمنين، {إن هذه أمتكم أمة واحدة} أي إن دينكم وملتكم التي يجب أن تكونوا عليها أيها الناس، مِلّة واحدة غير مختلفة وهي مِلّة الإسلام، والأنبياء كلهم جاءوا برسالة التوحيد، قال ابن عباس: معناه دينكم دين واحد . وتفسير {وأنا ربكم فاعبدون} أي وأنا إلهكم لا ربّ سواي فأفردوني بالعبادة. {وتقطّعوا أمرهم بينهم} أي اختلفوا في الدين وأصبحوا فيه شيعاً وأحزاباً، فمن موحد ومن يهودي ونصراني ومجوسي. {كلٌّ إلينا راجعون} أي رجوعهم إلينا وحسابهم علينا، قال الرازي: معنى الآية، جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعاً، كما تتوزع الجماعة الشيء ويقسمونه، تمثيلاً لاختلافهم في الدين وصيرورتهم فرقاً وأحزاباً شتى . إن المسلم الرباني في القرآن هو كائن حيوي حضاري يمتد عبر التاريخ، وعمره يتجاوز آلاف السنين، كما يمتد في حركته وأثره الحضاري والديني ليشمل الأرض كلها، مهما حاول الطغاة أن يصدوا الناس عن دين الله وينقصون الأرض من أطرافها. لذلك تتشابه أرواح المؤمنين من أتباع الرسل وتتماثل أخلاقهم وطباعهم وسبلهم ووسائلهم في تحقيق العبودية لله.

الصفحات