لقد دار خلاف بين الباحثين حول ما اذا كان العصر المملوكي العثماني عصر ركه وضعف ام عصر قوة في مجال الادب، فمنهم من ذهب إلى ان العصر المملوكي والعثماني كانا عصري ضعف ما بعده ضعف ومن هؤلاء عمر الدسوقي في كتابه "في الادب الحديث" يقول": "ظلت مصر وبلاد العروبة ثلا
أنت هنا
قراءة كتاب مذكرة في النثر الأدبي الحديث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الأدب العربي قبـل العصر الحديث
لقد دار خلاف بين الباحثين حول ما اذا كان العصر المملوكي العثماني عصر ركه وضعف ام عصر قوة في مجال الادب، فمنهم من ذهب إلى ان العصر المملوكي والعثماني كانا عصري ضعف ما بعده ضعف ومن هؤلاء عمر الدسوقي في كتابه "في الادب الحديث" يقول": "ظلت مصر وبلاد العروبة ثلاثة قرون تحت حكم الاتراك وهي في ظلام دامس، وجهل فاضح، تعاني مرارة الظلم وقسوة البغي.
قلب ما شئت من أسفار التاريخ فلن ترى الا صفحات سوداء قاتمة، تنبعث منها روائح الاستبداد والبطش، وتسمع صراخ المظلومين يصم الاذان، وتلمح دماء الفلاحين في كل صقع تسيل تحت سياط الحياة، تتمثل لك بلاد العروبة تخفها يد غاشمة اصابعها القمر والمرض والجهل والذلة والانحلال؟
ويذهب عمر الدسوقي إلى ان السلطة الفعلية كانت في يد المماليك، وهيهات ان يكون للادب نصيب وافر في ظل البيئة الجاهلة التي لم تجد فيها من يسلم من اللحن، بل لقد عز عليهم الاسلوب الجزل فلجاوا للزخرف والمحسنات يخفون بها عوار كلامهم.
وقد اورد الدسوقي نماذجاً من النثر والشعر ليدلك بها على ما اعتبره ضعفاً في اللغة العربية وادابها.
من تلك الامثلة الرسالة التي بعث بها عبد الوهاب الحلبي إلى شهاب الخفاجي يقول فيها: "لقد طغت افئدة العلماء بشراً وارتاحت أسرار الكاتبين سراً وجهراً وافعمت بالمسرة صدور الصدور، وطارت الفضائل باجنحة السرور، ببهت قدوم من اخضرت رياض التحقيق باقدامه وغرقت بحار التدقيق من سحائب اقلامه.
ومثال اخر هو ما كتبه عبد الرحمن الجبري من النثر المرسل مبيناً نشاة مدرسة الهندسة في عصر محمد علي يقول:
"لما رغب الباشا في انشاء محل لمعرفة علم الحساب والهندسة والمساحة، يقين المترجم رئيساً ومعلماً، لمن يكون متعلماً بذلك المكتب، وذلك انه تداخل بتخيلاته لتعليم مماليك الباشا الكتابة والحساب ونحو ذلك، ورتب له خروجاً وشهرياً، ونجب تحت يده المماليك في معرفة الحسابيات، ونحوها، واعجب الباشا ذلك فذاكره، وحست له بات يفرد مكاناً للتعليم ويضم إلى مماليكه من يريد التعليم من اولاد الناس، فامر بانشاء ذلك المكتب واحضر له اشياء من الات الهندسة والمساحة والهيئة الفلكية من بلاد الانجليز وغيرهم" ولم يكن الشعر بمنأى عن هذا الضعف الذي اصاب النثر فقد اورد عمر الدسوقي امثلة تدل على هذا الضعف والركة من ذلك ما قاله عبد الله الشبراوي يرى احمد الدلنجاوي المتوفي سنة 1123هـ.
سالت الشهر هل لك من صديق وقد سكت الدلنجاي لحده
فصاح وخر مغشياً عليه فقد ارخت مات الشعر بعده.
فقلت لمن اراد الشعر اقصر فقد ارخت مات الشعر بعده.
وهكذا تجمدت القرائح وتوقف الانتاج الادبي الاصيل واكثر ما كتب في هذا العصر يعد من قبيل الشروح والحواشي، وقد سمى جورج زيدان هذا العصر بعصر الشروح والحواشي.
غير ان هناك من الدارسين من يرى بغير رأي عمر الدسوقي من هؤلاء الدكتور بكري شيخ امين في كتابه: "مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني"، يقول: "ما من عصر أصابه ظلم من الاحكام والاهمال في الدراسات ما اصاب هذا العصر وناله، ولعل السبب في ذلك ان هناك من يريد ان يصرف الباحثين عن دراسة هذه الحقيقية والاكتفاء بحكم ظالم عليها، وليس مرد حكمهم ذلك إلى ماضي سفر هذا العصر من كثرت المحسنات والزخارف والا إلى قلة المعاني والافكار.
ويضرب دكتور بكري شيخ امين بعض الامثلة لشعر ذلك العصر ويطلق عليها من ذلك قول احد شعراء المماليك:
لعلي حبيب "مليح ظريف بديع جميل رشيق لطيف.
وقال: فمن هذا البيت يمكن ان نصنع بطريقة التبادل اكثر من اربعين بيت من الشعر، ومثله نجد قصائد كاملة تقرا افقياً فتكون مديحاً وعمودياً فتكون هجاءً ومعكوساً فتؤدي معنى اخر.
وجاء بمثال اخر رسام اجنبي وهو بيكاسو الذي اتى بقطعة من قماش ثم طلى ذيل حمار بالالوان وترك من ينير الحمار بحزمة من الحشائش فيحرك الحمار ذيله المطلى بالالوان، فيتأثر الموقع من خطوطه بحركة ذيل الحمار، ولما فرغ الحمار من رسم اللوحة بذيله جعل لها عنواناً وهو "طحالب الصبايا" فبروزها وعرضها في احدى معارضه ولما مر عليها النقاد قال احدهم :" بانه رائعة القرن العشرين وان العقل ليقف حائراً امامها ويباع بالالف الدولارات.
ويطلق بكري شيخ امين على هذين للماثلين قائلاً: فلماذا كان العمل العربي في الماثل (1) انحطاطاً والغربي في (2) ابداعاً، ليس السبب فيما يذهب د. بكري سوى عقدة النتاج الغربي.
ثم يقول: وهذا يعني اننا نريد ان نصف ادب هذا العصر بالقوة والازدهار وتعطى كل ذي حق حقه، ولا نقول ان هذه الفترة في كل الاقطار العربية سواء، وانما الحكم يختلف من بلد إلى اخر ومن شاعر إلى شاعر، عصر المماليك ليس كعصر الاتراك وبداية كل منهما ليس كنهايته وان صح وصف الكثير من ادب العصر بالضعف فانه لا يصح في نتاج العصر كله فلقد كان من علمائه: ابن خلدون، وابن تيمية، وابن القيم الجوزي، والسيوطي وابن منظور، وابن العربي وابن الفارض، والقلقشندي، والالاف من امثالهم كالبيروني الذي درس السيريانية والاغريقية والفارسية وتتبع علوم هؤلاء في الفلك وابن النفيس وابن البيطار، كما تبلور النحو العربي في هذه الفترة، وخير مثال له ابن هشام اضرابه.
وان عصراً فيه بعض هؤلاء حرام ان يكون عصر انحطاط…