أنت هنا

قراءة كتاب البيان القرآني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البيان القرآني

البيان القرآني

البيان، علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 2

الحجة بالقرآن الكريم

بعث الله تعالى النبيين مبشرين ومنذرين، وأيدهم بالخوارق والمعجزات التي تحج المعارضين وتكمع المعاندين ، وحتى تكون الحجة آكدة كان كل نبي يؤيد بما تقوم به الحجة على قومه في جنس ما مهروه، وبرعوا فيه، يقول الامام عن القاهر الجرجاني في ذلك : (( أنه لما كان السحر الغالب على قوم فرعون ولم يكن قد استحكم في زمان استحكامه في زمانه، جعل تعالى معجزة موسى عليه السلام في ابطاله وتوهينه، ولما كان الغالب على زمان عيسى – عليه السلام- الطب، جعل الله تعالى معجزته في ابراء الأكمة والأبرص واحياء الموتى، ولما انتهوا إلى ذكر نبينا محمد(صلى الله عليه وسلم)وذكروا ما كان الغالب على زمانه لم يذكروا إلى البلاغة والبيان والتصرف في ضروب النظم )).
كانت معجزات الأنبياء قبل سيدنا محمد(صلى الله عليه وسلم)آنية، ترتبط بزمان معين، ومكان معين، ومن ثم ذهبت بذهاب الأقوام التي عاشها ، بينما كانت معجزة سيدنا محمد(صلى الله عليه وسلم)بيانية عقلية تقوم على التأمل والنظر والاستدلال والاستنتاج ، وحتى تكون المعجزة أبين، والحجة أنصع ، كان النبي(صلى الله عليه وسلم)أمياً لا يقرأ الكتب ، ولا يعرف ما فيها، ولا اختلف إلى أهلها، ولا اختلفوا إليه، قال تعالى : { وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون}، وقال تعالى: { لسان الذين يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} .
لقد دفع القرآن المسلمين إلى مختلف مجالات المعرفة في الكون، فقد دفعهم إلى مجال المعرفة بالتاريخ والذي يسمى بـ " أيام الله " ، تلك الأيام التي أنعم فيها على من اتبع هديه واسهام على أمره، ودمر من سار في طريق المعصية والسر، قال تعالى : { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكنا لهم في الأرض ما لم تمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا، وجعلنا الانهار تجري من تحتهم، فاهلكناهم بذنوبهم، وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين }.
ودفعهم إلى المعرفة بالفلك حينما أقسم ببعض الكواكب مشيراً إلى منزلتها بهذا القسم، كما أن فيه بعث للتأمل والتدبر والبحث، قال تعالى : { فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} ، وقال تعالى أيضاً: { والنجم إذا هوى}، ويتحدث سبحانه وتعالى عن النظام الدقيق الذي تسير عليه الأفلاك : { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل سابق النهار، وكل في فلكٍ يسبحون}.
كذلك دفع القرآن إلى النظر والتأمل في الكون كله، قال تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}.
ويمن الله سبحانه وتعالى على الانسانية أجمع بآياته الباهرة، ضارباً المثل للعقلاء المستبصرين ليتجهوا بالبحث والدراسة إلى ما وجههم سبحانه نحوه، يقول تعالى: { فسبحان الل هحين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون}، ويقول تعالى أيضاً: { ومن آياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينزل من المساء ماء فيحي به الأرض بعد موتها، إن في ذلك لآيات لقومٍ يعقلون}.
ومعنى هذا كله أن الله سبحانه وتعالى يوجه نظر الأمة الإسلامية إلى دراسة كتابه المرئ، وإلى البحث في الآفاق وفي السماء والأرض وما بينهما ، يقول تعالى : { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ، أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} .
لقد حاور الاسلام مشركي العرب، وقد كان بديهياً والقرآن نزل بلسان عربي مبين أن يتوجه إلى هؤلاء بالدعوة وأن يجري معهم الحوار الذي تفقهه عقولهم، ولم يأل الاسلام جهداً في الرد على مزاعم هؤلاء وافتراءاتهم حتى لقد انتدب حسان بن ثابت ليرد عليهم في قول الشعر، ويدافع عن الدين الجديد وأهله باللغة التي يفهمونها وتؤثر فيهم.
وإلى هذا أشار القرآن إلى النضر بن الحارث بن كلدة الذي كان قد رحل في عداوة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)( إلى فارس وطلب ما يكيد به الاسلام والمسلمين فومجد أحاديث رستم واسفنديار والفرس فاشتراها وقدم بها مكة فجعل يتحدث بها، وكان رسول الله(صلى الله عليه وسلم)إذا قام من مقعده خلفه فيه النضر، وحدثهم بتلك الاحاديث فأنزل الله تعالى فيه قوله : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً، أولئك لهم عذاب مهين}.
وحاور الاسلام أهل الملك والنحل والدهريين وأشار إلى خلافاتهم، قال تعالى: { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة، إن الله على كل شيء شهيد} .
وقد أحاط القرآن الكريم بكل الخليقة مبتدأها ومنتهاها، فالقرون الأولى علمها عند الله لا يضل الله ولا ينسى، والطيور والحيوانات والبهائم أمم أمثالنا ما فرط الله في الكتاب من شيء ، وهل أكرم في صورة العدل الالهي من حشر امرأة في جهنم ودخولها النار في قطة حبستها حتى ماتت، لا هي أطعمتها ولاحتى تركتها تأكل من خشاش الأرض.
هل أوف من هذا الجزاء الذي يأخذ الله تعالى للضعيف والمظلوم حتى أنه ليقتص يوم القيامة من الساة القرناء للساة الجماء؟ وما أجمل من هذا القول وأوقعه في النفوس لمن ألقى السمع وهو شهيد { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} ، هذا هو البيان القرآني في تكامله وشموله ومخاطبته العقل البشري في كل زمان ومكان.

الصفحات