أنت هنا

قراءة كتاب فلسفة التفكير ونظريات في التعلم والتعليم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فلسفة التفكير ونظريات في التعلم والتعليم

فلسفة التفكير ونظريات في التعلم والتعليم

صمم هذا الكتاب ليكون فريداً من نوعه، وذلك لأنه جمع بين الفكر الفلسفي في عملية التفكير- الناتجة عن المعرفة العقلية والحسية لبعض المفكرين أو الفلاسفة من قبل أفلاطون -وأنماط التفكير ومهاراته المستنتجة من المدارس التي اهتمت بالتفكير العلمي والفلسفي والتربوي على

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 3

الآراء الفلسفية في التفكير

إرتأيت في هذا المؤلف أن أتحدث عن فلسفة التفكير من خلال السؤال التالي : من أين حصل الآخرون على المعرفة ؟ للإجابة عن هذا السؤال أرى أن أشير إلى بعض الآراء الفلسفية حول رؤيتهم إلى المعرفة بإيجاز غير مخل ، ومن ثمة الاشارة إلى الفكر الإسلامي الذي فيه حياة للمؤمنين .
الفلسفة حدها وماهيتها أنها العلم بالموجودات بما هي موجودة ، وغايتها البحث عن الحقيقة بحثاً مطلقاً مجرداً عن الغايات ، والأحوال العاطفية ، والاجتماعية ، والمادية، ونشأتها قديمة جداً لما بدأ العقل الإنساني يتساءل عن أسباب المظاهر الطبيعية ، وعن الوجود نفسه ، وعن الحقيقة بعينها ، والسؤال عن الألوهية والخلود.
بدأ التفكير الفلسفي المنظم في اليونان منذ أواخر القرن السابع قبل الميلاد ، وكان أقدم المذاهب الفلسفية المذهب الأيوني ، وقد حاول أتباعه رد الأجسام المختلفة إلى أصل أساسي ،أو عنصر واحد ، وزعموا بعضهم أنه الماء ،أوالهواء ، أو النار،أو التراب، وأجمعوا على أنه لا ينشأ شيئ من العدم ، ولا ينعدم شيئ موجود ، وقالوا بالشمول ، وذلك في أن هذا العالم روحاً واحدة تسوده وتنظمه ، وبالتالي، فإن مجموع الوجود هو الله.
وجاء المذهب الإيلي ، وخالفوا الأيونيين ، وقالوا أن الوجود ثابت لا يتبدل ، ولا يستحيل بعض العناصر إلى بعض ، وأن ما نراه من تبدل الأشياء إنما هو خداع من البصر ، وأن العقل يدرك الوجود ثابتاً غير متحرك، وأن الوجود يتألف من العناصر الأربعة كلها ( الماء والهواء والتراب والنار)، ولقد أصاب الإيليون حينما قالوا أن لهذه العناصر صفات ثابتة لا تتبدل ، وإن بعض هذه العناصر لا يستحيل بعضها إلى بعض أبداً .
وجاء المذهب الذري الذي قال بأن الذرة أو الجوهر الفرد نوع واحد من مادته ، ولكن له أشكالاً كثيرة ، وتتألف الاجسام المختلفة من ذرات لا تتجزأ تختلف بين جسم وآخر في شكلها وحجمها وترتيبها ووضعها.
وفي القرن الخامس قبل الميلاد ظهر السفسطائيون بإسلوب الجدل في طبيعة الإنسان واستعداداته الشخصية ، وجادلوا في التربية والأخلاق ، وقالوا بنسبية الأشياء ، فليس ثمت شيئ خير في نفسه ،أو شر في نفسه ، وإنما هو خير أو شر، والسفسطة أصبحت تعني : تمويه للحقائق مع فساد في المنطق. ( عمرفروخ ،1981، ص17-26)
وكان آخر السفسطائيين سقراط الحكيم ، وقد اعتقد مع السفسطائيين في الاهتمام بالإنسان وحده ، ثم خالفهم في أنه جعل قيمة الأشياء مطلقة ، ويمتاز الأسلوب السفسطائي في الجدل في الرد على السؤال بسؤال من جنسه ليثير التفكير في السائل ، وكان يستخدم البحث الاستقرائي بأن يبدأ باستنتاج الآراء من الملابسات ، وينتهي بوضع حدّ ( تعريف) للمشكلات الاجتماعية والشخصية لكي يكون للكلمات مدلولها.
ثم جاء أفلاطون ، واستخدم الاستقراء أيضاً في محاوراته ، ونظم الجدل من خلال ميله إلى عرض آراء المتقدمين ، وتنظيمهامن أدنى المحسوسات المادية التي هي في تغير مستمر ، والتي لا تعرف إلا بالتجربة الشخصية المباشرة إلى المبادئ المطلقة التي هي ثابتة ( عالم المثل) لأنها مفارقة أو مجردة عن المادة ، ولا سبيل إلى معرفتها إلا بالعقل ( التفكير الخالص)، ومناقشتها، وهو يعتقد بأن الحقيقة صورة للأحوال العارضة في الحياة .
ثم جاء أرسطو ،واعتقد أن المعرفة إنما تنتج من صلة التفكير بالآراء ثم من الصلة بين هذه الآراء ، وبين النتائج والأدلة على النتائج، وكان يرى بخلاف أستاذه أفلاطون أن ثمت وجوداً واحداً هو الوجود الطبيعي المادي الذي نحسه وندركه ،وهو موجود منذ الأزل ، ولكن هذا العالم منقسم إلى قسمين : عالم ما فوق فلك القمر ، وهوعالم لا متناه ولا يتبدل ولا يتغير ، وعالم ما دون فلك القمر ، وهو العالم المحدود ، هذا العالم متناه من حيث الامتداد ، ولكن ليس لمادته نهاية من حيث الزمن ، وفرض وجود الهيولى ( المادةالأولى) وجعلها أزلية. (مرجع سابق ،1981،ص28-65)
نلاحظ أن التفكير عند أرسطو يقوم في أساسه على الحس ، ويستمد مادته من المحسوسات ، وعمل العقل تكوين الصور العامة المطلقة من أعيان الموجودات ، أي خروج الممكنات من القوة إلى الفعل.
وجاءت فلسفات متعددة بعد أرسطو كالمذاهب المغلبة ، ومنها المذهب الكلبي ، والمذهب القورينائي ، والمذاهب المتناقضة كالمذهب الأفيغورسي ( اللذة) ، ومذهب الشك ، ومذهب التخير----الخ.
وفي العصر الحديث والمعاصر، ظهر التفكير الفلسفي من خلال مذهب الشك المنهجي الديكارتي العقلي ( أن أفكر إذاً أنا موجود) ليفسر العلاقة بين النفس والجسد من خلال حكم العقل ، وظهرت فلسفات كثر مثالية ، وطبيعية، وواقعية ، ونقدية ، واجتماعية ، وبرجماتية معتمدة إلى حد ما – حسب تقديري-على الفلسفات القديمة ( أفلاطون وأرسطو) لتفسير الواقع والوجود وإدعاء الحقيقة ، ومعرفة القيم، وكل هذه الفلسفات اعتمدت عليها النظريات الحديثة في التربية وعلم النفس مع الطابع التطويري والتجريبي لها ، وهذه الفلسفات الكثر فسرت لنا العلاقة المنطقية في التفكير بين المحسوسات والمعقولات ،أو الخط المتصل بين الجسد كعضو مادي وبين العقل كمركز للمعرفة ، ولكنها أخفقت في رأيي في تفسير العلاقة بين النفس والجسد ،لأنها بطبيعة الحال تعتمد على العقل البشري القاصر والمحدود ، ومن هنا جاءت الأديان السماوية لتضيف نوعاً آخر من مصادر المعرفة ،بل أهمها ، وهو الوحي ، وبذلك تستكمل المعرفة الإنسانية بالمعرفة القادمة من السماء.
وتظهر لنا المعرفة في أوجها وبلوغها تعظيماً من خلال اكتمال العقل البشري في أول نزول من وحي السماء جبريل -عليه السلام -على معلم البشرية الخير، والأخلاق الفاضلة سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم من خلال ربط العالم السفلي المادي المستند إلى الحواس بمفهومه الفلسفي بالعالم العلوي الخالد.
إن القرآن العظيم دعا الناس جميعاً إلى التفكير والتأمل والبحث العلمي ، والسيطرة على الكون ، وتحقيق القوة والخلافة الإسلامية ، والدعوة إلى الحق والفضيلة ،وحرية الفكر، ونبذ العصبيات بأنواعها المختلفة لبناء عالم راق من الأمم كلها .
والقرآن العظيم المنزل من عند الله الحليمرب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم هو الذي وصف الماضي من خلال الحديث عن الأمم البائدة ، ووصف لنا المستقبل من انتصار الحق على الباطل ، ووصف لنا الغيب من دار المقامة أو دار الشقاء للمجرمين أولوالطول في كل زمان ومكان ، وبهذا الوصف فلا يوجد مصدر للمعرفة يضاهي هذا المصدر ، لأنه من خارج العالم المتصل بالحواس وبالتفكير الإنساني.

الصفحات