أنت هنا

قراءة كتاب أصول البحث العلمي في القرآن الكريم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أصول البحث العلمي في القرآن الكريم

أصول البحث العلمي في القرآن الكريم

إن من دوافع هذه الإصدارة؛ ومن أهم الاعتبارات التي تستدعي لكتابتها، وضع الخطوات الأولى للقواعد الأساسية التي تمكن الباحثين من الوصول إلى القوانين والنتائج الصحيحة في بحوثهم، وحتى يطابق ذلك مع النواميس الكونية، ويحاكي الواقع الماثل بكل صوره؛ ولا يتأتى ذلك إلا

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 8

ثانياً : الإحساس بالمشكلة:

نجد القرآن دائماً يعطي المثال الواقعي الذي يشير اشارة مباشرة للشعور الإنساني وإحساسه، ولما كانت البحوث العلمية الحديثة قائمة على الإحساس بالمشكلة، ومن ثم القيام ببحثها بالطرق التي تؤدي إلى حل إشكالها في شكل معطيات أو نتائج نجد ذلك في قوله تعالى : ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ{1} وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ{2} أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ{3} بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ{4} بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ{5} يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ{6} فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ{7} وَخَسَفَ الْقَمَرُ{8} وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ{9} يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ{10} كَلَّا لَا وَزَرَ{11} إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ{12} يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ{13} بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ{14} وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ{15} لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ{16} إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ{17} فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ{18} ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ{19} كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ{20} وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ﴾. " سورة: القيامة الآيات: 1-21". قيل نفي النفي إثبات في الآيات السالفة لقسم الله تعالى بلام تحقق وقوع يوم القيامة الذّي أحس المشركون بعدم وقوعه ثم أردف ذلك بلام أخرى زيادة في بيان الحقيقة التي تملأ النفس الإنسانية وتعاتب صاحبها على مصارعة ومجابهة الشعور بالخطأ ومجافاة الحقائق باللوم والمنازعة الشديدة والمغالطة أن ذلك حقيقة وإن الإنكار لا يفيد على الإطلاق فيها؛ ثم يشير في إشارة مشارة لنوع ذلك الصراع في تقدير الإنسان الخاطئ في أن الله لا يجمع عظامه بعد ما أن تكون رميماً؛ ولكن القرآن يفسر له ذلك الإحساس بالدليل القاطع أي بالقدرة على خلق أطراف الأصابع التي منها البنان. ولم يكتف القرآن بشرح الشعور الآدمي الداخلي فقط فيما يتعلق بإعادة الإنسان بعدما صار رماداً من تراب الأرض، بل تناول مجال تفكيره في إنكار علم المستقبل أي إحساسه تجاه المسلمات القادمة مثل يوم القيامة بسؤاله عن متى ذلك اليوم، لم يترك القرآن الإنسان إلى ذلك الشعور ولكنه يلفت نظره إلى حقائق مشاهدة في الطبيعة كخسوف القمر وجمع الشمس والقمر واختفائها عن الوجود يكون ذلك يوم القيامة الذي يتساءل عنه. وهذا التفسير تجيش في النفس الإنسانية معان كثيرة لا يمكن الاطلاع عليها إلا من اللطيف الخبير، كما أنه يحدثه بما يقول في ذلك اليوم، وهو قول الإنسان أين المفر؟! ولم يتركه هكذا من دون إجابة، بل قطع عليه الشك باليقين كلا لا ذنب بعد ذلك اليوم، وأن المستقر لله الواحد القهار ووقتها يخبر الإنسان بما فعله في كل حياته، وعلى الرغم من كشف تلك الحقائق الظاهرة فإن الإنسان له الخيار وله حق الدفاع عن نفسه ولو ألقى الأعذار والمبررات والدوافع لأفعاله تلك، ثم في النهاية يقر القرآن صفة من صفات الإنسانية العجلة حتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم في تلقيه القرآن الكريم نفسه فنبهه لعدم الاستعجال في عملية التلقي ومن ثم يشرح بذلك مفهوماً غائباً عنا في الإحساس بالمشكلة العلمية الحديثة إننا نحب النتائج العاجلة الظاهرة ونترك المعلومات الغائبة عنا وعظمة حقيقتها. فمن هذا المنطلق عند الإحساس بالإشكال العلمي في العلوم الاجتماعية لابد من مراعاة الشعور الحالي المشاهد والملاحظ في المشكلة بالإضافة إلى ذلك الشعور الخفي حتى تعالج البحوث من جوانبها مجتمعة لكمال الفائدة من حقائقها الناتجة عنها. أما الإحساس بالمشكلة في العلوم الطبيعية فإن للقرآن دلالات تقود لمعرفة الحقيقة كما تكون من دون نقص أو زيادة لثبات مصدر معلوماته وعلمه بطبيعة الأشياء الطبيعية، حيث قال عز من قائل : ﴿اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾. سورة: الرعد الآية: 2.
﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾. "سورة: الرعد الآيات: 3، 4".
فإن الناظر إلى السماء مرفوعة بدون عمد يحس بعظمة المبدع الخالق لها ثم إلى علماء الفلك وذوي الاختصاص في علوم الضوء والمجرات المساوية إن طبيعة تلك الأشياء والبحث فيها بالأسلوب القرآني قطعاً يؤدي ذلك للإقناع مع اليقين بتلك الحقائق وأن هنالك لقاء مرتقب. ثم التفكر في الأرض الممدودة وما فيها من جبال وأنهار وثمار والأزواج وتعاقب الليل والنهار يقود للتفكير العلمي الصحيح في مجال العلوم الطبيعية، ثم نختم الإحساس بالإشكال العلمي في العلوم الطبيعية بهذه المعاني الغائبة على كثير من المفكرين والعاملين في مجال البحوث العلمية مثلاً نجد العلماء في علم النبات يدرسون الحزم التقنية وعملية الري وما شابه ذلك لزيادة الإنتاج، ولكن المنهج القرآني يوضح ذلك في افتراض علمي وشعور معاش، ومشاهد تكون قطع متجاورة تحمل نفس صفات التربة، وتزرع بنفس نوع البذور، وتسقى بماء واحد ولكن يكون هنالك فرق في الإنتاج والإنبات وهذا بدوره يؤدي إلى تفكير آخر في طريقه المنهجية في العلوم الطبيعية وهى التفكر والإحساس في القدرة الإلهية التي تقسم الأرزاق، وتحدد الإنتاج، وإن نظرت لتلك القوة الخفية حيث لا يكفي الاعتماد على الشعور المشاهد فقط، وإنما أخذ المعنى الغيبي في الحسبان؛ إن الإحساس بالمشكلة في النهج القرآني يأخذ أبعاد المشكلة من كل الأطراف، الظاهر منها والخفي؛ وعلى هذا الأساس يكون لدى الباحث كل الخبرات المتاحة، بل تكون عملية الاستقصاء ثابتة لأنه أخذ المعلومات الحقيقية؛ للاعتبارات الحقيقية، وعندها يكون معدل الصدق في اختبار الإحساس بمشكلة حقيقية لرسوخ المفاهيم عنده، وأخذ كل الاحتمالات اللازمة لفروضه.

الصفحات