أنت هنا

قراءة كتاب ذكريات الوطن والغربة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ذكريات الوطن والغربة

ذكريات الوطن والغربة

كتاب "ذكريات الوطن والغربة"، هذه ذكرياتي عن الوطن ، وما كان فيه من مشاهد وأحداث .. وعن الغربة وما رأيتُ فيها من مشاهد وأحداث .. اتبعت في كثير منها التسلسل الزمني .. ولم أكتب شيئاً منها في حينه إلا القليل ، ولم أسطر إلا بعض الذكريات ..

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 10

ولما بدأ الشيخ عز الدين القسام يستعد للثورة عام 1935م اتصل به المجاهد كامل الحاج حسين ، وعرض عليه أن يجعل صانور قاعدة له ، وأن يبدأ الثورة ضد الإنجليز من جبالها . وقام القسّام بزيارة المنطقة ، والتقى بالعالم الجليل الشيخ موسى السيد في صانور ، وبحث معه الأمر ، ولكنه لم يجد الأشجار الكثيفة الكافية التي تمكن المجاهدين من الاختفاء فيها لتحميهم من طائرات العدو ، ففضّل الاتجاه إلى مناطق أخرى ، واختار في النهاية أحراش يعبد .
ولما بدأت ثورة عام 1936 كان المجاهدون يعتبرون صانور مركزاً هاماً من مراكز الثورة ، نظراً لما تتميز به من موقع حصين ، ولما يجدون من عون ومساعدة من جميع أهالي القرية .. أضف إلى هذا ما قام به أهلها من جهاد ريادي في محاربة الإنجليز ، وكان من بينهم المناضل كامل الحاج حسين (قائد فصيل) ، والمناضل فوزي جرار (قائد فصيل) ، والشهيد سليمان السعد (قائد فصيل) . وفي بداية الثورة بدأ كثير من المجاهدين يتجمعون في صانور وفي جبل (حريش) المجاور لها .. وقد وصل في تلك الفترة عدد من قادة الجهاد ، وفي مقدمتهم المجاهد سعيد العاص ، والشيخ محمد الأشمر من الشام ، والقائد جاسم من العراق ، وتجمعوا في صانور قرابة الشهر، ثم انتشروا في البلدان الأخرى .. واشترك معهم أبناء صانور في خوض عدد من المعارك كان من أبرزها معركة (احريش) ومعركة (بيت امرين) عام 1936م .
وعندما أصبح المجاهد عبد الرحيم الحاج محمد قائداً عاماً للثورة ، كان يعتبر صانور من مراكزه الرئيسية ، فكثيراً ما كان يأوي إليها وإلى جبالها الحصينة المحيطة بها هو وجنوده ، فيلقون فيها المعين والنصير والحارس الأمين .
وفي أوائل عام 1939 توجه القائد عبد الرحيم إلى دمشق للتشاور مع القيادة في أمر الجهاد ، وللحصول على أسلحة وذخيرة ، وبعد أن أمضى قرابة شهر ، قرر العودة إلى فلسطين لاستئناف الجهاد . وعاد برفقته عدد من قادة الفصائل ، وهم : سعيد بيت إيبا ، وفوزي جرار ، وسليمان أبو خليفة ، ومعهم مجموعة من المناضلين الذين كانوا يحرسون القائد ، وكانوا من قرى صانور وميثلون وسيريس والجديدة وبرقين . وفي الطريق نزلوا بمضارب عشيرة الصقر بجوار نهر الشريعة في منطقة طوباس ، فاستقبلهم شيوخ الصقر وأكرموهم ، وأرسلوا معهم عدداً من الخيالة من شبابهم ، رافقوهم إلى بلدة صانور ليلة 27 آذار 1939 ، ونزلوا مع المناضل فوزي جرار في ديوان آل جرار ، وكان في استقبالهم عدد من وجهاء القرية . وأرسل القائد مرافقه سليمان أبو خليفة ليقابل المجاهدين في عدد من القرى المجاورة ، ليوافوه في صباح اليوم التالي في قرية الفندقومية لاستئناف الجهاد .
وبعد أن استراح القائد ومرافقوه في صانور ، توزّعوا للمبيت ، فتوجه أبناء ميثلون وسيريس والجديدة إلى قراهم للمبيت فيها والتوجه فجراً إلى الفندقومية ، وبات خيالة الصقر في قرية الجديدة ، وفي الصباح عادوا إلى مضاربهم . وبات القائد عبد الرحيم الحاج محمد ومساعده سعيد بيت إيبا في ديوان آل الحاج حسين . أما المناضل سليمان أبو خليفة فقد قام بالمهمة التي كُلّف بها وعاد مرهقاً ، وبات في ديوان المختار فريد الحاج محمود(20) .
وكان عملاء الإنجليز يتابعون القائد منذ خروجه من دمشق واتجاهه إلى نهر الشريعة ثم إلى صانور .. وفي فجر تلك الليلة كانت قوات كبيرة من الإنجليز بصحبة أحد العملاء تطوّق القرية ، ويعتلي أفرادها سطوح المنازل ويحاصرون الثوار . وكان شباب القرية يتناوبون الحراسة في الطرقات ، ولما أحسّوا بالإنجليز أخبروا الثوار الذين لم يكن عددهم كاف لأي مواجهة . وتمكن بعض الثوار من الاختفاء داخل البلدة .. أما القائد – رحمه الله – فقد رفض الاختفاء رغم الإلحاح الشديد من أهل البلدة للقيام بإخفائه ، وقرّر أن يصلي ركعتين ، وينطلق بجواده مهما تكن النتائج ، ليلتقي مع إخوانه المجاهدين ، ويبدأ المعركة مع الأعداء .. وقد استطاع أن يتجاوز الطوق الأول والطوق الثاني ، وأن يصل إلى أسفل القرية من الجهة الشرقية ، حيث كان أحد الشباب ينتظره ومعه جواده . ولما اعتلى ظهر الجواد أصابته رصاصة ، فقد كان الإنجليز يطلقون النار على كل من يحاول مغادرة القرية ، فسقط على الأرض .. وكان أول الذين وصلوا إليه بعد إصابته ، ذلك العميل الخائن الذي أحضر الإنجليز إلى صانور ، فداس على رأسه وأفرغ مسدسه فيه . وكانت قوات الإنجليز في نفس الوقت قد حاصرت ديوان المختار ، ولم يجرؤ أحد منهم على اقتحامه ، فخرج إليهم المجاهد سليمان أبو خليفة ، ودارت معركة غير متكافئة استشهد فيها البطل رحمه الله .
وفي يوم استشهاد المجاهدين البطلين قام الإنجليز بالقبض على جميع رجال القرية ، وأودعوهم سجن عكا ، وقاموا بضرب المرحوم عبد الرحمن أبو زهرة حتى الموت ، وألقوه على الأرض ، ولكن الله منّ عليه بالحياة والشفاء . وقاموا بإجلاء النساء والأطفال إلى قرية ميثلون المجاورة لعدة أيام ، قاموا خلالها بتفتيش البيوت بيتاً بيتاً ، فكسروا الأبواب ونهبوا بعض الموجودات ، وأتلفوا جميع المؤن المخزونة بعد طرح بعضها فوق بعض من قمح وطحين وسكر وأرز وحبوب وغيرها ، وصبوا فوقها الكاز وزيت الزيتون ، ومزقوا الفراش والملابس . وقاموا خلال عملية التفتيش بنسف ديوان المختار فريد الحاج محمود ، وقسماً من دارنا المجاورة له ، ونسفوا ديوان آل الحاج حسين والدور المجاورة له ، وديوان محمد اليوسف ، وبيت فوزي الفياض .. كما نسفوا ودمروا عدداً كبيراً من بيوت القرية . وبقيت القرية مطوقة بالعساكر مدة شهر ، ولم يُبقوا فيها في الأسبوع الأول سوى المختار ، الذي كانوا يهددونه يوميّاً بالقتل ، طالبين منه أن يدلّهم على مخابئ الثوار ، وهو صابر على ما يلاقي من إيذاء .. هذا ولا تزال آثار جرائمهم من هدم البيوت شاهدة عليهم حتى اليوم .
ولقد شاهدتُ هذا الحال وهذه المناظر وأنا طفل صغير ، وإن نسيت شيئاً منها فلن أنسى منظر الشهيد البطل سليمان أبو خليفة عندما مررت – مع والدتي – بجانب جثمانه المسجّى على الأرض بجوار بيتنا ، ودمه ومخّه منثور على الجدار من كثرة الرصاص الذي أطلقوه عليه بعد استشهاده .. ومن الأمور التي لا أنساها أيضاً منظر بيتنا وهم ينسفونه بالمتفجرات ، فقد شاهدت الغبار والدخان وهو يرتفع منه إلى عنان السماء ، وأنا في الطريق إلى ميثلون .
أما القائد الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد ، فقد كان بطلاً من أبطال الجهاد ، نازل البريطانيين وأنزل بهم خسائر لا تنسى ، وكان اسمه يتداول بين جموع القوات البريطانية مخيفاً مرعباً .. وكان يأبى على نفسه أن يختبئ أو أن يقع أسيراً بيد الإنجليز .. فاستشهد في المعركة وهو يعتلي جواده .. فحزنت لفقده كل فلسطين ، ولم يُخفِ الشعب حداده على القائد الشهيد ، فرفعت المنازل الأعلام السوداء ، وأقامت المساجد صلاة الغائب ، وأقيمت التعازي والمآتم في أغلب المنازل ، وأضربت المدن كلها حداداً عليه (21) .
أما في صانور ، فقد حزن جميع أهل القرية على الفقيد الغالي ، الذي كانوا يعتبرونه أخاً كريماً ، وقائداً شجاعاً من أعزّ قادتهم ، ومازالوا يتغنون بصفاته الحميدة حتى اليوم .
وعندما قام الانتداب البريطاني بتنفيذ المؤامرة على فلسطين ، وقام الإنجليز بتسليم العديد من البلدان والأراضي للصهاينة عام 1948 ، ليعلنوا قيام دولة إسرائيل .. كانت صانور في طليعة القرى والبلدان التي شارك أبناؤها في الدفاع عن جنين ، وطرد اليهود منها ومن القرى التيتقع شمال مدينة جنين .. بل وكان لها دور ومشاركة في النجدة التي توجهت إلى القدس للدفاع عنها في الأيام الأولى من هجوم العصابات الصهيونية عليها(22) .
هذا وقد قدّمت قرية صانور كباقي مدن وقرى فلسطين العديد من الشهداء في مقاومة الإنجليز(23) ، ومقاومة الاحتلال الصهيوني ، بالإضافة إلى المعتقلين في سجون الاحتلال .

الصفحات