حظي الأردن بأنه بلد مبارك؛ لأنه من أكنافِ بيت المقدس؛ وفي بيت المقدس وفيما حوله قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنّ
أنت هنا
قراءة كتاب السياحة الدينية الإسلامية في المملكة الأردنية الهاشمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

السياحة الدينية الإسلامية في المملكة الأردنية الهاشمية
وفي شمال الأردن آثار معركة اليرموك، وعطر شهدائها الأبرار، ومنهم أربعة شهداء بنوا تمثال الإيثار فيه، ومقام الراكب المهاجر عكرمة رضي الله عنه بجوار الهاشمية في عجلون، ومنهم عشرون صحابياً هم باقي شهداء اليرموك؛ وقد ذكروا في كتب التاريخ الإسلامي، وتشهد أرض فحل في الأغوار الشمالية بمجريات معركة فحل الشهيرة.
والأردنيون يتنسمون عطرَ الصحابة شهداء طاعون عمواس، وقائدهم أمين الأمةِ أبو عبيدة، ويلتمسون البركَة من شهيد الأقحوانة8، وأعلمِ الأمةِ بالحلالِ والحرامِ معاذِ بن جبل وابنه عبد الرحمن رضي الله عنهما بجوار الشونة الشمالية، ويتنافسون في حُسنِ القيادة، متأثرينَ بفاتحِ الأردن وقائد معركة فحل شرحبيلَ بنِ حسنة رضي الله عنه ، ومقامه في المشارع في الغور الشمالي، وضريح الصحابي الجليل ضرار بن الأزور رضي الله عنه في دير علا، وضريح الصحابي الجليل عامر ابن أبي وقاص رضي الله عنه في بلدة وقاص، وغيرهم من الأفذاذ الأطهار الأبطال.
ولقد ولد بعض الصحابة الكرام في الأردن، وعاصروا العهد الزاهر؛ عصر النبوةِ الأغر؛ ومنهم فروة الجذامي رضي الله عنه ، وسيمونةُ البلقاوي رضي الله عنه ، وعبدُالله بن حوالة الأردني رضي الله عنه ، وغيرهم ممن سطعت أنوارهم فيه، وأشرقت بوجودهم سماؤه؛ وتزينت بهم أرضه.
وفي وادي السير مقام منسوب للصحابي الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه ، وقد سميت القرية باسمه (بلال)، وفي الطفيلة مقام الصحابي جابر الأنصاري رضي الله عنه والقلعتان غرندل والسلع، وحمامات عفرا.
ومن التابعين المنسوبين للأردن التابعي الجليل عبادة بن نُسَي قائد جنود الأردن، والتابعي الجليل نعيم بن سلامة السبائي؛ كاتب الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، والتابعيان الجليلان عروة بن رويم اللخمي عتبة بن حكيم الهمداني.
ولقد تأسست في الأردن مدارسٌ للقرآن وللحديث؛ منها مدرسةُ الأيليين في العقبة، التي فتحها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، ومنها رواة الحديث النبوي الشريف، وقلعتها مدرسة إسلامية؛ أستاذها المحدّث الزهري رحمه الله، ومدرسة معان ومنها الأزدي المعاني، ومدرسةُ القرآن في رحاب المفرق؛ وفيها مسجد أيوبي، وقد أنجبت قرية رحاب ابنَ عامر اليحصبي؛ وهو أحد القراءِ السبعة، وشهابَ الدين الدجاني من الدجنية، وقلعة القطرانة مدرسة علمية؛ وفيها مقام الشيخ حامد العطار، ومحطتها لرعاية حجاج بيت الله، والحسا سكنها الفقيه ابن سحمان الشريشي، وقلعتها محطة استراحة للحجاج، وحصن لحمايتهم.
ومدرسةُ عجلون أنجبت العجلوني الجراحي؛ صاحب كتاب كشف الخفاء، ومن قُرَى عجلون برز العلماء؛ فابنُ خطيب عذراء ولد في لستب، وشهاب الدين الباعوني في باعون، ومحمد بن خليل الجعفري في عين جنة.
ومدرسةُ الكرك ومنها البرهان الكركي، وقلعتها جوهرة الصحراء مليئة بالآثار عامرة بالمشاهد، ومدرسة الشوبك، ومنها يوسف بن دانيال الشوبكي، وابن أبي الهيجاء، وقلعتها حصينة.
واربد بها قبر أمّ موسى بن عمران، وقبور أربعة من أولاد يعقوب، وقلعة دار السرايا التي بناها العثمانيون، والرمثا، ومن علمائها الحسن بن علي بن سرور، وأحمد بن موسى الرمثاوي، وهي إحدى محطات الحج.
ومدرسة البلقاء؛ والعلماء البلقاويون منهم صحابةٌ وتابعون، ومن الصحابة الصحابيان الجليلان سيمونة وعطية السعدي رضي الله عنهما، وولده التابعي الجليل محمد بن عطية، وحفيده عروة بن محمد الذي كان والياً على اليمن في عهد الخليفة الراشد محمد بن عبد العزيز، ومن العلماء البلقاويين العلامة محمد بن عبدالله الصلتي، والشيخ نعمة الصفدي من علماء بني صخر.
ومدرسة إربد؛ ومنها شرف الدين القاضي قاسم بن محمد الإربدي، وشهابُ الدين الجمّال الملكاوي، من بلدة ملكا، والزراعي الحُبراصي من حبراص، وعلاء الدين الحَبكي من حَبَكا، وعبد الغني الجُمْحي من جمحى، ومن علماء الطيبة عبدالرحمن الطََيبي، والمهندس محمد الطيبي، وهو الذي بنى مقام معاذ رضي الله عنه ، والعز القدسي من علماء كفر الماء في دير أبي سعيد.
ومنهم من نسب إلى الأردن؛ كالتابعي الجليل نعيم بن سلامة الأردني، ومنهم نسب إلى عشيرته كالجذامي، أو إلى مهنته كعبادة بن نُسي قاضي طبرية، وقائد جيوش الأردن.
ولقد تميّز بعض العلماء الأردنيين بالقيادة السياسية والعسكرية؛ كالذين ولدوا أو عاشوا في الحميمة؛ وبها قبر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وهي منطلق الدولة العباسية، التي سكنها التابعي الجليل علي ابن حبر الأمة عبدالله بن عباس، رضي الله عنهم، ووُلد له فيها أكثر الخلفاء والقادة العباسيين؛ كالسفاح وأبي جعفر المنصور، وفيها المسجد العباسي؛ والموقر وبها مقام الخليفة يزيد بن عبدالملك؛ فيشهد التاريخ بعظم هذا المكان المنيف.
والقلاع الإسلامية في الأردن كثيرة شهيرة؛ كالقصور الإسلامية في الصحراء الأردنية، ومنها قصر المشتى؛ وواجهته إلى اليوم في برلين، وقصر الخرانة، وقصر عمرة، وعين السل، وقلعة الكرك والمعروفة بجوهرة الصحراء، وقلعة عز الدين أسامة الرابضة على جبل عوف في عجلون، وقلعة القطرانة، وقلعة العقبة، ذات التاريخ العريق، وفي الزرقاء مسجد قديم داخل قصر الحلابات، وفي الأزرق قصر بناه القائد الإسلامي عز الدين أيبك الأيوبي.
وأما مدن الديكابولس العشر فمنها ثمان مدن أردنية، وهي غنية بالمعالم الإسلامية؛ ففي العاصمة عمّان الفيض الكثير، وجرش زارها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتحها شرحبيل رضي الله عنه ، وازدهرت في العصر الأموي، وفي إيدون والحصن مدرسة علمية، وفي أم الجمال - الواحة السوداء - سكن الأمويون والعباسيون، وفي بيت راس تل الخضر عليه السلام، وأم قيس (جدارا) فتحها شرحبيل رضي الله عنه ، وحافظ على آثارها، وحرثا قويلبة (أبيلا) فيها آثار إسلامية.
إنه لا يمكن للشجرة أن ترتفع في السماء فروعها إلا إذا ضربت في الأرض جذورها، ولذلك رأينا الهاشميين بتلك الأمجاد والآثار محتفين محتفلين، يرفعون المآذن والقباب، ويشيّدون المقامات والآثار، ويرسمون السير والأمجاد، ويسطرون البطولات بماء الذهب، ويفتخرون بالثلة الطاهرة النقية، استنطاقاً لبطولات الأجداد، وتشيداً لصروح المجد التي بدت جلية في الأردن؛ يحكون حالهم، وينطقون بألسنتهم، ويكتبون بأقلامهم، ليكون كلٌ منهم نبراساً يسير عليه مبتغو الهداية، وطالبو الاسترشاد إلى سواء السبيل، وليكون فخراً للمفتخرين، ونموذجاً للمقتدين.
إن الأردن كشجرة؛ لا شرقية ولا غربية؛ باسقة في الطول؛ سيقانها صنوان وغير صنوان، تسقى بماء واحد، طيبة العطر، وارفة الظل، عمادُها النبوة، وشرفُها الأصالة، وأوراقها شمائلُ مَن تحت القبة الخضراء ثوى، ثمرها، وظلّها يعجب الزراع، ويغيظ الكافرين، ويسر الناظرين، فتبارك الله أحسن الخالقين.
لقد آن الأوان أن تظهر مكنوزاتُ الأردن؛ فهلا انبرى طالب علم؛ يربط الجديد بالقديم؛ ويبرز ما كاد يندرس من تاريخنا العريق؛ وفاءً لحقهم، وتجديداً للعهد، وتشييداً للبنيان، وإعادة رسمه إلى الأذهان؛ ولا يمكن للأردنيين أن يستوردوا الثقافات، وأجدادهم سطروا التاريخ بأحرف من نور، أضاء ما ادلهمّ من الخطوب.