حظي الأردن بأنه بلد مبارك؛ لأنه من أكنافِ بيت المقدس؛ وفي بيت المقدس وفيما حوله قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنّ
أنت هنا
قراءة كتاب السياحة الدينية الإسلامية في المملكة الأردنية الهاشمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
السياحة الدينية الإسلامية في المملكة الأردنية الهاشمية
أرض الأردن مباركة
الأُرْدنُّ في لغة العرب المكان طيب الهواء؛ فقد ذكر الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات9الأردن؛ وقال: (قال أهل العلم: إنما سُمي بذلك في قولهم للنعاس الثقيل: أردن؛ فسُمي بذلك؛ لثقل هوائه)، وها هو ياقوت الحموي يذكر الأردن10؛ ويذكر بعضاً من المعاني اللغوية لهذا الاسم الأنيق، ويناقش تلك المعاني ويحلّلها، ويرجّح فيقول: (والظاهر أن الأردن الشدة والغلبة؛ ومنه سمي الأردن بهذا الاسم، وأهل السير يقولون: إن الأردن وفلسطين ابنا سام بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام، والأردن أحد أجناد الشام، وأهل السير يطلقون الأردن على مناطق شاسعة واسعة؛ منها الغور وطبرية وصور وعكا، وما بين ذلك، قال أحمد بن الطيب السرخسي الفيلسوف: هما أردنان؛ أردن الكبير وأردن الصغير؛ فأما الكبير فهو نهر يصب إلى بحيرة طبرية، بينه وبين طبرية لمن عبر البحيرة في زورق اثنا عشر ميلاً، تجتمع فيه المياه من جبال وعيون، فتجري في هذا النهر، فتسقي أكثر ضياع الأردن، مما يلي ساحل الشام وطريق صور، ثم تنصب تلك المياه إلى البحيرة التي عند طبرية، وطبرية على طرف جبل يشرف على هذه البحيرة، فهذا النهر -أعني الأردن الكبير- بينه وبين طبرية البحيرة، وأما الأردن الصغير فهو نهر يأخذ من بحيرة طبرية، ويمر نحو الجنوب في وسط الغور، فيسقي ضياع الغور، وأكثر مُستغلتِهم السكر، ومنها يحمل إلى سائر بلاد الشرق، وعليه قرى كثيرة؛ منها بيسان وأريحا والعوجاء وغير ذلك، وعلى هذا النهر قرب طبرية قنطرة عظيمة، ذات طاقات كثيرة، تزيد على العشرين، ويجتمع هذا النهر ونهر اليرموك، فيصيران نهراً واحداً، فيسقي ضياع الغور، وللأردن عدة كُور؛ منها: كورة طبرية، وكورة بيسان، وكورة بيت رأس، وكورة صور، وكورة عكا، وغير ذلك، وللأردن ذكر كثير في كتب الفتوح).
يحتل الأردن في وسط العالمين الإسلامي والعربي مركزاً استراتيجياً مرموقاً، كدأبه في جميع العصور، منذ أن افتتح النبي صلى الله عليه وسلم العقبة وأذرح والجرباء بنفسه، وافتتح شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه باقي مدن وقرى الأردن في العام الثالث عشر من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛ ففي خلافة الصديق رضي الله عنه افتتح الأردن شرحبيل عنوة، ما خلا طبرية، فإن أهلها صالحوه، وكان فتحه طبرية بعد أن حاصر أهلها أياماً فآمنهم على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم، إلا ما جلوا عنه وخلّوه، واستثنى لمسجد المسلمين موضعاً، ثم إنهم نقضوا في خلافة عمر رضي الله عنه ، واجتمع إليهم قوم من سواد الروم وغيرهم، فسيّر إليهم أبو عبيدة جيشاً في أربعة آلاف بقيادة عَمرو بن العاص رضي الله عنه ؛ ففتحها على مثل صلح شرحبيل رضي الله عنه ، وكذلك جميع مدن الأردن وحصونها على هذا الصلح، فتحاً يسيراً بغير قتال.
وزار الأردن الخليفة عمر بن الخطاب أمير المؤمنين في طريقه إلى بيت المقدس، وبرزت أهمية الأردن خاصة إبان الحروب الصليبية، فنشأت بها دويلات، وحصون، ومعاقل تبادلها الصليبيون والمسلمون11.
والحاصل أن الأردن من الأرض المباركة، التي تقررت بركتها في القرآن الكريم؛ إذ قال سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}12، والأردن حول الأقصى، والأقصى مع سائر فلسطين من الأردن في التاريخ.
لقد جاء في البخاري: باب غزوة مؤتة من أرض الشام13؛ فضمت في أحضانها من الأنبياء والشهداء ما لا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى، وأُغدق عليها الخيرات، التي كانت سبباً في الطمع فيها، فتناهشها الاستعمار، وتكالب عليها الحاسدون.
وفي قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام قال الله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إلى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}14، والأرض هنا أبواب بيت المقدس وما حولها، وفي الحديث: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حولها لا يضرهم خذلان من خذلهم ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة)15.