أنت هنا
قراءة كتاب البدو في فلسطين في الحقبة العثمانية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
البدو في فلسطين في الحقبة العثمانية
2. الهجرات والغارات البدوية إلى فلسطين
2.أ. فلسطين في حدود الصحراء
للموقع الجغرافي لفلسطين أثر كبير في منشأ البداوة والاستقرار. فموقع البلاد حيث تحدها الصحراء من ثلاث جهات؛ جعلها تتلقى مؤثرات الصحاري العربية على مر العصور. فان الصحاري قريبة من البلاد، و تعد خزانا بشريا يغذي المناطق المستقرة في فلسطين بالسكان. إن فلسطين كانت على مر العصور عرضة للغارات البدوية والتي أرادت دائما السيطرة على مناطق الاستقرار. وإن النجاح أو الفشل كان متعلقا بشرطين أساسيين :
1. وجود سلطة قوية: فوجود مناطق مأهولة بالسكان بمحاذاة الصحراء؛ كان متعلق بوجود سلطة قوية، لان ذلك يشجع الاستيطان بقرب الصحراء وبدون خوف ، وبالتالي فان ذلك يكون حاجزا بشريا يمنع البدو من الوصول إلى المناطق المأهولة بالسكان. ولكن في فترات انعدام الأمن نتيجة لضعف السلطة المركزية، تسود الفوضى في المناطق، وتزداد قوة القبائل التي تقوم بغاراتها على المناطق المأهولة. وهذه الغارات جاءت من ثلاث مناطق أساسية : من الشرق عن طريق وادي عربة، وعن طريق سهلي بيسان ومرج بن عامر خاصة من جنوبي بحيرة طبريا، ومن الجنوب عن طريق شبة جزيرة سيناء والنقب، ومن الجنوب الغربي عن طريق سيناء والسهل الساحلي
2. ظروف متعلقة بداخل شبة جزيرة العرب: فحدوث تحركات مفاجئة لقبائل كبيرة في داخل شبة جزيرة العرب، كان يزيد من الضغط البدوي على حدود المناطق المأهولة بالسكان في منطقة الشرق الأوسط بما فيها فلسطين. فعندما كانت تحدث تحركات قبلية كبيرة من جنوب وأواسط شبة جزيرة العرب متجهة إلى الشمال؛ فإنها تضغط على القبائل الصغيرة والتي لا تستطيع المقاومة. وهذه القبائل الصغيرة ليس أمامها سوى الهروب إلى جميع الاتجاهات.
2.ب. الهجرات البدوية إلى فلسطين
القبائل البدوية التي عاشت في شبه جزيرة العرب بقسميها، قبائل الجنوب وقبائل الشمال، نزحت على مر العصور خارج الجزيرة العربية، فقد سكنت بعضها في الصحراء السورية وعلى حدود فلسطين. ومن هذه القبائل ما انخرط في حياة البلاد التي وصلتها، وأنشأت فيها حضارات راقية لعبت دورا هاما على مسرح التاريخ، وقد تهيأت الظروف أمام بعض القبائل لإنشاء دول شبة حضرية دامت فترة من الزمن؛ مثل: الأنباط ، الغساسنة، تدمر، و كندة، والحيرة وغيرها. وفي فترة ما قبل الإسلام كانت بلاد الشام تابعة للإمبراطورية البيزنطية، وكانت سلامة الطرق التجارية، وحماية القوافل التجارية من الاعتداءات عليها؛ وخاصة من قبل القبائل البدوية؛ من إحدى سياسات هذه الإمبراطورية. لذلك قربت إليها-الإمبراطورية البيزنطية- القبائل البدوية التي نزلت بلاد الشام، ومدتها بالمال سنويا، مقابل أن تحمي هذه القبائل الحدود والمواقع التي يصعب على الإمبراطورية حمايتها، ودفع هجمات القبائل عنها، وفي بعض الأحيان كانت تشرك هذه القبائل في حروبها الخارجية، وقد أوجد البيزنطيون سياسة اتخاذ هذه القبائل لحروب العرب المناوئين، وبخاصة في الدفاع عن الحدود ضد عدو مراوغ فرّار.
فمثلا: لما وجدت قبيلة تنوخ قد تغلبت على غيرها، ملَّكتها على العرب في بلاد الشام، ثم وردت سليخ، وتغلبت على تنوخ، فملكتها على العرب، ولما وردت غسان وتغلبت على سليخ، ملكتها على البدو في منطقة الشام، وقدمت للأمارة الغسانية الإعانات السنوية (8).
إن فلسطين كانت مكتظة بالسكان في الفترة البيزنطية، وذلك لأنه كان في فلسطين جيش قوي، وذلك لأنه في القرن الرابع الميلادي (313 م) اعترف بالديانة المسيحية بأنها الديانة الرسمية في الإمبراطورية البيزنطية، وبما أن فلسطين هي مهد هذه الديانة؛ فقد اهتموا بها كثيرا وخاصة بنشر الأمن، وقد وقفت الإمبراطورية حاجزا يصعب اجتيازه فترة طويلة من الزمن، أمام تحركات وهجمات القبائل البدوية.
وفي الوقت الذي انتهت فيه الحروب الفارسية- البيزنطية، انهار هذا الحاجز نتيجة تحطيم وإنهاك قوى كل من هاتين الإمبراطورتين بعد الحروب الضاربة التي خاضتها كل منهما ضد الأخرى(9).
جاء هذا الانهيار في الوقت الذي اشتدت فيه الحاجة في شبه جزيرة العرب للتوسع بدافع قلة الموارد، قياسا لعدد السكان المتزايد. والمعروف أن سكان الصحراء في هذه الفترة؛ كانوا يهاجمون ما يحيط بهم من المناطق المأهولة والمناطق الزراعية الخصبة. وفي خلال أل 1400 سنة الأخيرة حصلت ثلاث هجرات بدوية كبيرة من قلب شبه جزيرة العرب، ووصل قسم منها إلى فلسطين (10).