هذا كتابي الثاني بعد كتاب «صناعة شهود الزور»؛ وللمفارقة فإنَّ ما احتواه الكتاب الأول شرح مسبقاً الأحداث التي اهتم بها هذا الكتاب، خصوصاً في مسألة الصراع على سوريا وفي سوريا.
أنت هنا
قراءة كتاب الوجه الآخر للثورات العربية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المال السعودي والحرب الأفغانية المقدسة
شكل الغزو السوفياتي لأفغانستان منعطفاً إستراتيجياً وتاريخياً للوجود الإسلامي والسلفي خصوصاً في فرنسا، وتزامن هذا أيضاًمع تواجد سماحة آية الله الإمام الخميني في باريس، ما جعل الحراك الإسلامي واسعاً، غير أن العلاقات الفرنسية الإسلامية السنّية وصلت إلى مرحلة التحالف في أفغانستان والتنسيق الأمني مع المخابرات الفرنسية، والتواصل السياسي مع كبار المسؤولين الفرنسيين. وكان رجل فرنسا أو الرجل الأقرب إلى فرنسا ضمن المجاهدين الأفغان أحمد شاه مسعود الذي كان يتكلم الفرنسية ويزور باريس. وقد شارك الكثير من المسلمين الحاملين الجنسية الفرنسية في الحرب ضد الروس، وقتل الكثير منهم أيضاً، وكان هؤلاء يذهبون من فرنسا برفقة رجال دين باكستانيين وسعوديين كانوا يزورون المساجد في فرنسا في تلك الحقبة لحث الجالية المسلمة هناك على دعم قتال الروس.
شكل هذا التحالف فرصة كبيرة لدخول المال السعودي إلى فرنسا وخصوصاً إلى ضواحي المدن الكبرى مثل باريس، مرسيليا، ليون، نانسي، فضلاً عن المدن المتوسطة حيث بدأت تظهر قاعات للصلاة في أقبية الأبنية، قبل أن تمتد الموجة إلى شراء أراض وشقق استخدمت مراكز وقاعات للصلاة. كما أنَّ تلك الفترة شهدت ظهور عشرات الجمعيات الثقافية التي اختبأت وراءها الجماعات السلفية والإسلامية، ودخل المال السعودي إلى مسجد باريس الكبير في وسط العاصمة الفرنسية بالاشتراك مع المال الجزائري، غير أنَّ الإنجاز السعودي السلفي اللافت كان بناء جامع مدينة ليون الكبير، ثالث المدن الفرنسية الذي تمّ بناؤه بتمويل سعودي كامل وبرعاية السلطات الفرنسية؛ وهذا ما جعل رجال أمن فرنسيين يحذرون من الخطر السلفي السعودي في فرنسا؛ مثال على ذلك رئيس المخابرات السابق (آلان شوي) الذي قال في محاضرة في مجلس الشيوخ الفرنسي: «السعودية هي رمز العنف في العالم الإسلامي وليس إيران ولا العراق»(38)، مضيفاً أنًّ «هذا البلد هو البلد الوحيد في العالم الذي يحمل اسم العائلة الحاكمة». وشبّه مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسية الوضع في السعودية بالوضع في فرنسا عشية الفصل الثاني من العام 1789 قائلاً: «حكمت هذه العائلة منذ العام 1926، واعتمدت على شرعية الأماكن المقدسة وعلى المزايدة في التطرف والتشدد الإسلاميين في حكمها بعد أن قامت بإزاحة الهاشميين أصحاب الشرعية التاريخية في إدارة شؤون الأماكن المقدسة».
واتهم (شوييه) العائلة السعودية بأنها أساس العنف في العالم الإسلامي لأنها اعتمدت على استمرارها في الحكم استناداً إلى منطق التطرف والمزايدة على الآخرين في كل ما هو إسلامي، وهذا من أجل قمع أية حركة معارضة داخلية، وفي مواجهة الآخرين خارجياً مثل إيران أو العراق أيام صدام حسين.
لقد أشار شوييه في مداخلته بما يشبه السخرية إلى الدولة السعودية قائلاً: «إنه نظراً لافتقاد العنصر البشري، ولعدم وجود بنية صناعية في السعودية اعتمدت العائلة الحاكمة على دفع الأموال التي تملكها بكثرة في إدارة سياستها، عبر تمويل جمعيات وجماعات في كل أنحاء العالم تحمل فكر التطرف والعنف». من جهته، إيف بونيه الذي شغل المنصب نفسه قال لي في حديث خاص: «إنَّ هناك تلاقي مصالح إسرائيلية سعودية في لبنان وفي المنطقة».
جماعة الإخوان المسلمين
ليس للجماعة تاريخ قديم مع فرنسا على عكس علاقتها مع بريطانيا، غير أن الظروف السياسية في بلدان العالم العربي، خصوصاً في الجزائر وتونس، جعلت الكثيرين من جماعة الإخوان المسلمين المعارضين للحكومات السابقة في تونس يقيمون في فرنسا، ومنهم من هو حالياً في مناصب قيادية مثل رفيق بوشلاكة وزير الخارجية، كما أنَّ راشد الغنوشي مرَّ في باريس قبل انتقاله إلى لندن، ومن ثم إلى الدوحة. وينتسب أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين إلى جمعية فرنسية كبيرة اسمها (اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا) الذي يتألف من جمعيات صغيرة متواجدة فوق مختلف الأراضي الفرنسية، موزعة بحسب تقسيم الاتحاد على ثماني مناطق جغرافية، لكل منها مسؤول عام يعاونه مسؤولون محليون. ويملك الاتحاد حوالى ثلاثين مركزاً ثقافياً، ويسيطر على مساجد أساسية في مدن (ليل، بوردو) وأنشأ مؤسسة للتواصل مع الشباب عبر تأسيس جمعية الشباب المسلم في فرنسا، وجمعية الطلبة المسلمين في فرنسا، ورابطة النساء المسلمات في فرنسا، وهي تعمل بحرية تامة، ولديها تواصل مع كل طبقات السلطة الفرنسية السياسية والعسكرية والأمنية، وعلى جميع المستويات المحلية والمناطقية والوطنية.
بعد اشتداد عودهم تحوّل الإخوان المسلمون عبر (اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا) من العمل الجمعي إلى العمل السياسي عبر (اللجنة الخيرية لدعم الشعب الفلسطيني)؛ ومن ثم كان دخول الاتحاد إلى المجلس التمثيلي لمسلمي فرنسا الذي أنشأته السلطات الفرنسية لإعطاء شرعية سياسية وقانونية لوجوده على الرغم من الخلافات البسيطة مع السلطات حول الحجاب والنقاب وبعض الأمور الإجرائية، لكن الاتحاد حافظ على خط متعاون إلى أبعد الحدود مع السلطات، وهو الآن يعد حليفاً لفرنسا في سوريا وجميع البلدان التي وصل الإخوان إلى سدّة الحكم فيها.