قراءة كتاب إلى اللقاء قاتلتي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إلى اللقاء قاتلتي

إلى اللقاء قاتلتي

في روايته الأولى يتحدث الكاتب اللبناني ابراهيم عيسى عن مغامرته الثلاثية، يتأرجح قلمه على زخّات فقدانه والده، فرح يرحل في شبابه، ثم حبيبة لا ندري إنْ كانت القاتلة أم المقتولة أم الاثنتين معاً، أخيراً إلى وطن أشبعه سموم الطائفية.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

مقدمة

ليس وجودنا في وضع معين، أكان حبّاً أم علاقة عابرة أم مشاكل يومية تعترض سبيلنا، هو ما يكوننا ويكون تفكيرنا وآراءنا، وينحت في داخلنا الشخصية التي نريد أن نكون، بل تربيتنا وثقافتنا ومنطقنا في الحياة كل ذلك يكون شخصيتنا، ويجعلنا نتقبل الآخر باختلافه واختلاف تفكيره وثقافته ودينه ولونه وشكله.
إن الاختلافات الإنسانية وجدت لتكوّن هذا المجتمع ولتجعله فسيفساء ملونة ومتعددة المفاهيم، وإلا لكنا لوحة رسمت بلون واحد وشكل واحد لا حياة فيها ولا روح، غير أن هذا الرسام الأوحد أراد من خلال تصاويره المختلفة أن يكون لوحة متعددة الألوان والأشكال لينفخ روحه فيها.
فلنكن لوحة ثقافية رائعة على اختلاف ألوانها وأشكالها، ولنكن فسيفساء اجتماعية ثقافية متحضرة.
أعطتني قلماً وأوراقاً وقالت: أكتب... وضعت أغنية ذات لحن حزين، يعكس روحي... وكأنها وضعت مرآة في القرص المدمج.. مرسمها يعج باللوحات، كل حائط في هذا المرسم يلبس فوق جلده لوحة... امرأة تتربص بي لا هي حزينة ولا ضاحكة، متمرّدة متوجّعة تترقب البعيد اللاموجود.. فتاة أخرى عارية تغتسل بماء الألوان...
أخرى ترقص بريشة صديقتي الرسامة... وجوه عابسة، ضاحكة، باكية، متمردة، مقرفة، مشمئزة، متعصبة... كلها تتربص بي، أدركت أنني لست في حضرة صديقتي فقط، إنما تجالسني لوحات تكاد تنطق وتشخط وتضحك وتبكي لي وعليّ.
حتى قطتها تراقبني، تنزل تارة وتصعد طوراً على الكرسي وكأنها تريد أيضاً أن تكتب أو ترسم ما يجول في خاطرها...
آريا.. وسألتها ماذا يعني اسمك؟ فقالت: العرق الآري... آريا إذن تختصر عرقاً بشريّاً في ذاته، العرق الآري كله جالس قبالتي يرسم حالات مجتمعنا هذا، بضحكه، ببؤسه ومرضه وفرحه وحزنه و... و... و...
يستطيب لآريا أن تشرب قهوتها الكردية باردة، ودون أن تعلم فهي تشرب برودة عرقها الآري الجاري في التاريخ.
سألتها ماذا أكتب؟ فأجابتني بثقة رسامة متمكنة تصاوير الوجوه البشرية المحملة بالتعابير... أكتب عمّا قبل البارحة...
أيا قبل بارحة يحمل ذكرى مؤلمة، يحمل تجربة اختصرت حياتي كلها من الولادة إلى قبل البارحة.
بين أغنية وأغنية تضع آريا أغنية تفسر حالاتي النفسية وتجاربي وقصصي وتحمل قصة قبل البارحة...
استيقظت من صحوتي، فأنا لم أنم أصلاً ولم يزرني أي حلم؛ فكرة واحدة استوطنت تفكيري طوال الليل منتظرة صباح اليوم التالي لتسكن واقعي.. فكرة أتت ورسمت وخططت منتظرة ضعفي لتحقق فيه فيلمها الذي أخرجته طوال الليل.
استيقظت ووقفت أمام المرآة، فركت أسناني، غسلت وجهي كأي يوم عادي ولبست ثيابي.
ركبت سيارتي وقادتني هي إلى مكان عملي، وبملامح وجهي اليومي استقبلت الزبائن... لا أحد استطاع أن يرى الفيلم المعدّ في رأسي، ولا أن يستشعر أي لقطة يمكن أن تحدث لاحقاً..
وحده صديق، وهو ممرض في قسم الأمراض العصبية والنفسية، استطاع أن يسرق بداية الفيلم الذي وضعت مخططاً له في رأسي.
سألته بضعة أسئلة عن أدوية عصبية وحالات لأمراض نفسية، ولم أدرك أنه بحنكته العملية سوف يعلم بمخططي...
جالسني طوال النهار وأنا أترقب عقارب الساعة التي تركض نحو الثالثة... اخترت الساعة الثالثة لبدايتي... لبداية النهاية، لِمَ الساعة الثالثة؟ لا أدري... لا يمت لي رقم ثلاثة بأي صلة عاطفية أو يعني لي شيئاً، إنما هكذا عشوائياً اخترت الساعة الثالثة.
قدرت أن أحداً لن يكون في المنزل في هذا الوقت، أنا فقط ورقم ثلاثة وبضع حبوب كفيلة بأن تجلب الراحة لي.

الصفحات