كان السبب في تورطي بهذا المشروع، الذي لم أخطط له مسبقاً، وراثة زوجتي دونم أرض من بستان من بين البساتين التي كانت في أطراف مدينة نابلس القديمة، وأصبحت الآن في وسط البلدة بعد توسعها، زرع فيه جدها في الماضي أصناف الخضار المنوعة، لتزويد الناس بها، قبل زرع العمارات الحجرية مكانها. ولهذا لم أستطع كبح جماح رغبات زوجتي المبالغ فيها، بعد أن قبضت أكثر من ثلاثمائة ألف دينار ثمنا له، لقناعتها بجملة ما انفكت ترددها، في وجه كل من يستغرب هذا البذخ في البناء بلهجة متعالية:
- هذا مالي وأريد التمتع به على كيفي .
لا أستطيع القول بأني كنت سعيداً بزواجي، ولا غير سعيد أيضاً، لأنني تزوجت، طاعة لرغبة أمي، بعد حصولي مباشرة على شهادة البكالوريوس في المحاسبة ، التي رغبت بها منذ البداية، بعد ما أهدرت سنتين من عمري في دراسة الهندسة، تلبية لرغبة أبي، الحريص على إتمام الخطة التي رسمها في توزيع أبنائه على المهن التي كان يتمناها لهم، ليبلغوا أعلى مراتب طبقات المجتمع .
فدرس شقيقي الأكبر "صادق" الذي يستقر اليوم في السعودية منذ عشرين عاما تقريبا، الهندسة المدنية، إرضاء لوالدي.
ودرس "نبيل" طب الأسنان، في الجامعة الأردنية، لرفضه دراسة الطب البشري. بعد أن هادنه والدي ما دام سيحمل لقب دكتور. ثم سافر إلى فرنسا منذ خمس عشرة سنة للتخصص في تقويم الأسنان، وتزوج هناك فتاة جزائرية تحمل الجنسية الفرنسية، بعد وصوله إلى باريس بأشهر قليلة، لرغبته في التمتع بمزايا هذه الجنسية، كما أوضح لي فيما بعد، بعد أن أبديت له دهشتي من إقدامه على الزواج من فتاة لا أقيِّم جمالها بأكثر من أربع درجات من عشر، وهو المحب للجمال في كل شيء وخاصة في النساء.
لم يصبر على البعاد عن الجمال أكثر من ثماني سنوات فطلقها وتزوج فتاة لبنانية "تفتح النفس لبهجة الحياة" كما ورد في رسالته التي أرسلها لوالدتي حينما أنبته على طلاق الفتاة التي وقفت إلى جانبه في مرحلة حددت مصيره ومستقبله، وأنجبت له طفلين يحتاجان إلى أسرة متماسكة في المجتمع الغربي المنفتح.
أما "سعيد" فقد أراح الجميع من التفكير في اختيار الطب أو الهندسة قبل أن ينهي دراسة المرحلة الثانوية، بعدم بذله المجهود الكافي للحصول على المعدل اللازم لتأهيله لدخول إحدى هاتين الكليتين. فدخل كلية التربية الرياضية في الأردن، وعمل بعد تخرجه مباشرة في مركز للياقة البدنية في أحد فنادق الدرجة الأولى في عمان.