وحان الوقت لتزويج علي من ابنة أخيها "اللي تقول للقمر قوم وأنا أقعد مطرحك" بعد ما خرس لسان أمها عن نعته بالولد المعلول. فأرسلت له رسالة مطولة تصف بها جمال وحسن ابنة خاله فريال، و"تطمنه" بأن البنت كانت مغرمة به منذ صغرها، وأمها لم تصدق أن عليّاً سيكون صهرها المدلل.
ولكن كثيرا ما تجنح سفن أمي وتتكسر أشرعة آمالها.. فاعتكفت في البيت خشية أن تلتقي بأخيها أو أحد أفراد عائلته، وتختلق الأعذار لتفادي استقبالهم أو مشاركتهم الزيارات. حينما جاءها الرد على رسالتها، بأن أخي قد تعرف على فتاة يونانية، ويدعو والدي ووالدتي للذهاب إلى تركيا ليحضرا حفل زواجه.
أسرعت أمي في تزويجي بعد تخرجي ببضعة أشهر، في وقت كان يفترض بها أن تضع العراقيل أمامي، إذ لم يكن قد مضى على وفاة والدي ثمانون يوما، ولكن خوفها من الفكرة التي كانت تراودني، بالانضمام إلى أخي سعيد في أمريكا، بحثا عن حياة جديدة، سريعة الإيقاع، وسريعة جني الأموال، كما كان يقال في ذلك الوقت، دفعها للإسراع بخطوة تضمن فيها بقائي بقربها، بعد تفرق إخوتي الواحد تلو الآخر في بلاد الله الواسعة، وزواجهم من فتيات متعددات الجنسيات، فاختارت لي إحدى طالباتها، من أسرة نابلسية طيبة ومستورة، يعمل والدها موظفا في البلدية.
تخرجت من الجامعة، وتزوجت،
ولم أسافر إلى أمريكا،
... بسبب القيود المشددة التي فرضتها دول العالم "الحر" بصورة عامة على تنقلات الفلسطينيين بعد حرب عام 1973بين إسرائيل من جانب ومصر وسورية من جانب آخر. بالإضافة إلى عوامل خاصة طرأت على ظروف عائلتينا، فقد توفي والد زوجتي، ومن الصعب بقاء والدتها وحيدة لكونها سورية الأصل، وتواصلها مع أهلها في ظل الاحتلال يعتبر من رابع المستحيلات.
ومن جهة ثانية كانت تعارض والدتي بشدة فكرة بعادي عنها، بعد أن أصبحت دائمة الخوف من الوحدة، خاصة بعد تجربتها المريرة في تمريض والدي أكثر من عامين قبيل وفاته، ولما قلت لها مرة في حضور زوجتي، أن أختي رشا موجودة بجانبها قالت بحسرة:
"رشا ليست خالصة لي، فزوجها وعائلة زوجها لهم حق الأفضلية في حياتها".
ثم أضافت بكثير من الحنان: