- 3 -
مضى على حادثة غضب زوجة ابني، من طرحي لفكرة استضافتهم في بيتي، ثلاثة أشهر، زارني خلالها ثلاث مرات فقط، مكتفياً باتصالاته الهاتفية للاطمئنان علي، وتأمين احتياجاتي وتسليمها أحياناً بحجة انشغاله لبواب العمارة التي أسكن في إحدى شققها، وبعد سؤالي المتكرر عن أحفادي، اصطحبهم قبل أيام لزيارتي مدة نصف ساعة، لم يتحركوا خلالها من أماكنهم ، ولم يتبسطوا معي كعادتهم في الحديث، أو اللعب، حتى ليث، ذي الثلاث سنوات، لم يبحث عن "الحسنات" كعادته، ونهرته أخته ذات العشر سنوات، حينما طلب المزيد من الشكولاتة التي قدمتها له.
... بت أخاف الوحدة،
بعد أن فرقت الدنيا الأهل والأصحاب من حولي بسبب انشغالهم عني بأعباء الحياة، لمن لم يبلغ بعد عتبات الشيخوخة، أما من علت الصفرة أوراق الشجرة التي أزهرت لحظة ميلاده، فقد هدَّه المرض، إن لم يكن قد وصل إلى نهاية الطريق المحتوم قبلي..
وتعاظم خوفي من أن يزورني ملك الموت، وأنا وحيدة، بعد حادثة موت ابن عمي، وحيدا في بيته، ولم يتنبه أحد لغيابه إلا بعد أن لاحظ الجيران ضوء المصباح المشتعل في المطبخ ليل نهار لمدة أربعة أيام، وبعد ما تردد على بابه الموظف المختص بقراءة عداد المياه أكثر من مرة، والكل يعلم أنه لا يخرج من البيت بتاتا، لخوفه من الاختلاط بالناس، بعد أن تفاقم عنده مرض الاكتئاب.
مات وحيدا.. ودفن وحيدا..
كانت زوجته وابنه يؤديان العمرة، وابنته لم تصل من عمان إلا بعد ثلاثة أيام، من اكتشاف جثته، بسبب خطورة حالة زوجها الصحية، لإصابته بجلطة دماغية حادة.
ما أقسى هذه الحياة التي لا نعرف كيف أُقحمنا فيها دون مشورتنا، ولكننا متأكدون من مغادرتها رغماً عن إرادتنا أيضاً، حتى وإن أبدينا ضيقنا منها، وتمنينا الخلاص من آلامنا النفسية التي تفوق آلامنا الجسدية أحياناً.
شعرت بأني أثقل بالحديث على رشا، لاقتضاب أجوبتها على استفساراتي، عما فعلت في هذا اليوم، لأشبع إحساسي بقربي منها، ولم تبعدني عن حياتها. ورغبتي في معرفة ما يجد من أحداث في المجتمع، فأنا أستأنس بأخبار الناس من حولي، لأشعر، بوجودي كإنسانة تتمتع بقدر من الاحترام، حين أبدي الرأي والتحليل للأحداث التي أسمعها، فتغمرني النشوة والراحة.. مؤكدة وجودي وحضوري بين من هم حولي.