أنت هنا

قراءة كتاب ثورة الفتى العربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ثورة الفتى العربي

ثورة الفتى العربي

يتضمّن هذا الكتاب النصوص الكاملة لعدد من مؤلّفات رئيف خوري وكتاباته في الصحافة الشيوعية (1934 ـ 1944). هي تشمل معظم المجالات التي تناولها، من الشعر إلى الفلسفة إلى الفكر السياسي.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

تقديم الطبعة الثانية مقدّمة لإعادة قراءة رئيف خوري

تأتي الطبعة الثانية لهذا الكتاب بمناسبة احتفال الأوساط الأدبيّة والفكريّة، الوطنيّة والديمقراطيّة والتقدّميّة، العربيّة عموماً واللبنانيّة خصوصاً، بالذكرى المئويّة لمولد رئيف خوري، بعد مرور نحو ثلاثة عقود من السنين على الطبعة الأولى التي ارتبط صدورها بمناسبة احتفال الحزب الشيوعي اللبناني، سنة 1984، بالذكرى السنويّة الستّين لتأسيسه. ولعلّ من مكر الزمان أن يقع على عاتق هذا التقديم للطبعة الجديدة من «أعمال مختارة...» تبريرُ اختيار أعمال بعينها من نتاج رئيف خوري في حيّز زمنيّ محدود بعقد واحد من السنوات (1934 ـ 1944)، والمناسبة هذه المرّة تتجاوز ذكرى تخصّ الحزب، إلى أخرى تخصّ «الفتى العربيّ» دون منازع، تحتفل بها الحياة الثقافيّة على صعيد وطنيّ، حاملةً بشرى البدء بإصدار «الأعمال الكاملة»[1]. كان الدافع الأساس للاختيار، آنذاك، كما يتبيّن من التقديم الأوّل، التأكيد على راهنيّة الإرث الثقافيّ التأسيسيّ الذي أرساه رئيف خوري في حياة الحزب، وعلى أهمّيّة الاستنارة بذلك الإرث في المعركة الوطنيّة المصيريّة التي كان الشيوعيّون يخوضونها إبّان العقد التاسع من القرن الماضي، في المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ، المعركة التي شكّلت امتداداً لنضالهم في الحركة الوطنيّة اللبنانيّة، دفاعاً عن وحدة لبنان وتطوّره الديمقراطيّ، وضدّ محاولات اليمين اللبنانيّ زجّ لبنان في المؤامرة الإﻣﭙﺮياليّة الصهيونيّة الرجعيّة لتصفية قضيّة الشعب الفلسطينيّ، ولخنق طموح الشعوب العربيّة بعامّة إلى التحرّر الوطنيّ والتطوّر الديمقراطيّ والتقدّم الاجتماعيّ والوحدة.
ليس عبثاً ولا ترفاً، ليس تعسّفاً ولا تباهياً، التفت الحزب الشيوعيّ، في عيده الستّين، إلى رئيف خوري بالذات. كان إرث رئيف خوري بالنسبة إلى الشيوعييّن، آنذاك كما اليوم، بمثابة مَدد من روحيّة تسقي معدنَ المقاومة الوطنيّة فتطبعه سيفاً يقارع آلة العدوّ الغاشمة ويعطبها. إنّها روحيّة صاحب «جهاد فلسطين»، «الفتى العربيّ» الذي عهِد «الحزبَ الشيوعيَّ مدرسةً رائعةً لتخريج الوطنيّين المستنيرين الراسخين»، كما قال في الكلمة التي ألقاها في «المؤتمر الأوّل» لـلحزب الشيوعيّ (31/12/1943 - 2/1/1944). لم تكن تلك الشهادة مجرّد واحدة من تلك العبارات الجاهزة لمثل تلك المناسبات. فلا يمكن أن نقرأها اليوم، آتية من رئيف خوري، إلّا كتعبيرٍ موزونةٌ كلماتُه، في تلك المناسبة بالذات، بميزان دقيق. وما اختيارنا هنا لهذه العبارة تحديداً، مستلّة من نصّ زاخر بما لا يقِلّ عنها احتفالاً بمزايا الحزب من عبارات التقدير، إلّا لكونها تصلح عنواناً لمقدّمة هذه الطبعة الثانية. ذلك أنّ تَطَرّق رئيف خوري في كلمته أمام المؤتمر إلى فكرة الحزب/المدرسة كان بالتأكيد يحظى بتوافق الذين أُلقيت الكلمة باسمهم، الأديب عمر فاخوري، والمؤرّخ يوسف إبراهيم يزبك، ورئيف خوري نفسه. وقد أشارت مقدّمة الطبعة الأولى إلى أنّ الفكرة كانت موضع أخذ وردّ بين رئيف وعمر بخاصّةً، وقد عادا إليها في غير مناسبة. لم يكن أحد من الثلاثة عضواً عاملاً في الحزب، بما في ذلك، آنذاك، يوسف يزبك، أحد مؤسّسيه. لكنّهم كانوا جميعاً من أركان «المدرسة»، متعلّمين ومعلّمين في الوقت نفسه. وكانت كلمة رئيف خوري أمام المؤتمر، بالتالي، كلمة تلك «المدرسة»[2].
ألقى رئيف خوري كلمته، باسم زملائه في «المدرسة»، كتقرير أمام المؤتمرين عن الإسهام المشرّف لممثّلي الثقافة الوطنيّة الديموقراطيّة في الكفاح الذي خاضه الشيوعيّون، مع الوطنيّين الديموقراطيّين عموماً، في الكفاح التحرّري ضدّ سلطات الانتداب الاستعماريّة، وفي معارك الاستقلال الوطنيّ، وفي المواجهة المبكِّرة التي كان الشعب العربيّ الفلسطينيّ يخوضها دفاعاً عن وجوده، ضدّ الخطر الإستعماريّ الصهيونيّ الداهم، وقد استشعره الشعب العربيّ في أقطاره كافّة، ولو بتفاوت وتدرّج، تهديداً لتراثه الإنسانيّ وهوّيّته ووحدته. في تلك المواجهة، قبل الحرب العالميّة الثانية وخلالها، إنحاز مثقّفون كبار وشباب مثقّفون إلى طلائع شعبهم في النضال الوطنيّ الديموقراطيّ، ليزجّوا بما يملكون من عُدّة ثقافيّة في الكفاح الملحميّ المصيريّ الذي خاضته البشريّة ضدّ الفاشيّة. كانت المعركة شرسة، وقد تمايز فيها الوطنيّون الديمقراطيّون العرب عن القوميّين اليمينيّن الذين حالَ قِصر نظرهم الطبقيّ دون إدراكهم أنّ الطبيعة الطبقيّة للصهيونيّة تجعلها صنواً للنازيّة والفاشيّة، رغم التنافر الإيديولوجيّ الظاهر بين هذه النزعات الرجعيّة، وهي تعمد إلى تجييش جمهورها بشعارات، من قبيل العداء للساميّة، والشعب المختار، والعرق المتفوّق... إلى ما هنالك على الصعيد المحلّيّ من شعارات إنعزاليّة طائفيّة وعنصريّة كان رئيف خوري يضعها تحت مسمّى «العصبيّات الصغيرة السامّة». ويمكن، اليوم، اعتبار هذه الطبعة الثانية من «ثورة الفتى العربيّ»، واستعادة بعض نتاج قلم رئيف خوري، إبّان تلك السنوات العشر، مشاركة في التحيّة الوطنيّة لذكرى مولده المئويّة، كمثقّف عربيّ من لبنان أسهم بشرف في النضال الأمميّ دفاعاً عن الثقافة والديمقراطيّة، مبيّناً أنّ المقاومة العربيّة لتغلغل الاستيطان الصهيونيّ المدعوم من سلطات الانتداب، ونضال الشعوب العربيّة في سبيل الاستقلال والديمقراطيّة، إنّما يرفدان ذلك النضال الأمميّ ويستمدّان منه قوّةً.
لا يمكن في هذه الذكرى المئويّة إغفال أنّ رئيف خوري كان في «مدرسة... تخريج الوطنيّين» تلك الأستاذ والتلميذ في الوقت نفسه، حسب تعبيره هو نفسه في معرض تقديم عمر فاخوري خائضاً «هذا الجهاد المقدّس ضدّ آفة النازيّة والفاشستيّة» كـ«سياسي متطوِّع» في «مدرسة». كذلك كان رئيف متطوّعا في «مدرسة» الحزب دون أن يكون منتسباً إليه. يوصف الحزبيّون عادةً بأنّ هذا «عضو عامل» وذاك «عضو غير عامل». لكنّ رئيف خوري يبقى خارج هذا التصنيف: كان «العامل غير العضو»، إذا صحّ التعبير. ذلك أنّه لم يكن، في العلاقة التي ربطته بالحزب، كمن يسمّى في بعض الجمعيّات «عضوَ شرف»، ولا هو كان عضواً سِرِّيّاً طلباً لتقيّة ما. كان رئيف خوري مع الحزب عاملاً وحسب، و«على رأس السطح»، كما يقال في التعبير الشعبيّ الدارج. كانت علاقته بالحزب علاقةً بـ«مدرسة» خبِرها عن كثب، منحازاً في النضال السياسيّ إلى جبهة الطبقة العاملة وحلفائها، على مختلف الصعد، وبخاصّةً على الصعيد الإيديولوجيّ، في إطار «عصبة مكافحة النازيّة الفاشستيّة»، مع غيره من أهل الثقافة من مفكّرين ومبدعين. إنّها «مدرسة» يتعذّر التمييز فيها بين رئيف المعلِّم القدوة ورئيف القدوة في التعلُّم. ولعلّ نصوص هذا الكتاب، بتنوّعها وتكاملها، تضيء في شخص صاحبها وعيَه لكونه يمثّل القدوتين معاً، ويحرص على الاضطلاع بمتطلّباتهما. كان هذا دأبه في «مدرسة» حزب الطبقة العاملة، حيث يتخرّج المثقّف كمناضل سياسيّ يعي أنّه يؤدّي قسطه في تغيير العالم، ويتخرّج المناضل السياسيّ كمثقّف يعي دور الثقافة في تسديد النضال الوطنيّ. هكذا نفهم قصد رئيف خوري في كلامه على «مدرسة» لتخريج مناضلين «وطنيّين»، أقحاح الولاء للوطن والذود عن قضاياه العادلة، و«مستنيرين»، غير غافلين عن منزلقات النضال، و«راسخين» في نضال دؤوب، لا يحرفه دون غايته إحباط ويأس قد يكونان، أحياناً، تبريرَ تنازلٍ لابتزاز، أو تمويهَ استجابةٍ لمغريات.

الصفحات