"جنة الفدائيين"، للكاتب السعودي محمد الراشد؛"جنة الفدائيين" هي أول عمل روائي له. أرمان...
أنت هنا
قراءة كتاب جنة الفدائيين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فرد عليه الرئيس بتهكم وهو يحمل الطبق من أمامه: «أجل ثلاثة قروش لقد قلتها بوضوح هل بك صمم». عندئذ انفجر أرمان غضباً ولم يعد يقدر على احتمال هذا الرجل الثقيل وتعليقاته السمجة، فنظر إليه بحدة وقال له بنبرة غاضبة: «إسمع يا هذا لا تحدثني بهذا الأسلوب المهين مرة أخرى وإلا...». ثم تدارك نفسه في اللحظة الأخيرة وكبح جماح غضبه ثم بصعوبة بالغة، سكت.
غمس يده في الكيس، وقبل أن يبدأ الرئيس الذي احمر وجهه وانتفخ من الغضب بالكلام أخرج من الكيس ديناراً من الذهب الخالص يساوي مئة درهم من الفضة الخالصة والدرهم الواحد يساوي مئة قرش نحاسي.
«هاك خذ حقك». ولكن الرئيس الذي امتقع وجهه سأله بخبث:
«من أين لك هذا؟». فأجابه أرمان رافعاً أنفه: «أنا أنتمي إلى عائلة غنية، ولست كما أبدو لك أيها السيد».
ارتسمت على وجه الرئيس ابتسامة اعتذار صفراء ثم تنحنح وقال: «حسناً إذاً... سوف آتيك بالباقي، من الخزنة... يا (خوجا)». وقبل أن ينطلق بالطبق سأله على مضض:
«هل لديكم... حلوى؟».
التفت إليه وقال بلهجة تودد متكلفة: «لدينا حب الرمان المطبوخ».
«حب الرمان المطبوخ؟».
«أجل... أجل، مذاقه حلو جداً، كما أنه مخلوط بالعسل الصافي والزبيب اليماني».
«أعطني طبقاً منه».
راح الرئيس يجري إلى قمرة الطباخين وأمرهم بأن يعدوا له الحلوى التي طلبها بأسرع وقت ممكن ثم خرج من باب خلفي للقمرة قاصداً الخزنة.
«خوجا! ... هذه أول مرة في حياتي يطلق علي أحد ما لقب الخوجا».
حملق ثانية داخل الكيس المليء بالدنانير الذهبية: «يا إلهي ما كل هذا المال، إنه كنز، ثروة، أحالم أنا أم واهم، إما أن يكون ذلك الغريب الذي اشترى مني السمك مجنوناً... وإما معتوهاً، الحمد لك يا رب»، التفت عن شماله ليرى ما فعل الرجل ذو الشوارب ولكنه كان قد انسل وغادر دون أن ينتبه ويشعر.
«ماذا لو كنت أحلم»؟ تساءل بمرارة وقلق.
«ماذا لو كان كل هذا، مجرد حلمٍ جميلٍ وقصير؟».
أغمض عينيه ثم قام بقرص قدميه، ففركهما بشدة حتى احمرتا وعندما فتحهما ثانية وجد أنه لم يستيقظ من النوم، ليجد نفسه على فراشه الرث العامر بعدد كافٍ من حشرات البق لإيقاظه بين الحين والآخر.
إذاً، فما يجري هو حقيقة وليس حلماً، وواقع وليس وهماً، لقد أصبح غنياً بلا شك، ويستطيع أن يؤسس بهذا المال مشروعه الصغير الخاص به ويتخلص أخيراً من مهنة بيع السمك والتعرض يومياً لرائحته الكريهة وملمسه اللزج.
وبينما هو جالس يخطط لمستقبله الذي ارتسمت خريطته أمامه بجلاء، جاء الرئيس وقدم له طبق التحلية ورد له بقية النقود في كيس آخر! تسعة وتسعون درهماً فضياً وخمسة وتسعون قرشاً، فأخذه أرمان وأفرغه في كيسه الأول مع الدنانير فامتلأ حتى ليكاد يتمزق من شدة انتفاخه ثم ربطه ووضعه في جيبه.
أخذ الملعقة الخشبية المصقولة وغرف من صحن الرمان وأكل لقمة، ثم قال في نفسه وهو يمضغ بتأنٍ:
«إنه شهي، وحلو المذاق... ولكنني لا أستطيع أن آكل الآن، يجب أن أذهب إلى أمي، وأبشرها».
قام وأسرع إلى زاوية الدكان حيث يوجد طست كبير موضوع على الأرض وفيه مياه غسيل معتكرة، وقد سكب فيها صاحب المحل بعض العطور النفاذة الرخيصة حتى تغطي على روائح بقايا الطعام، وإلى جانب الطست قمقم مليء بالماء النظيف، وإلى جانبهما علقت صحيفة على الجدار كتب عليها بخطٍ عربي جميل: (لا تسرف ولو كنت على نهرٍ جارٍ) فغسل يديه بأقل كمية ممكنة وتمضمض ثم مج في الطست.
تحسّس جيبه ليتحقق من وجود الكيس العزيز، ومشى خارجاً من الدكان على عجالة من أمره حتى إنه لم ينتبه للرئيس عندما قال له بشغف:
«شرفنا بزيارة أخرى».