المجموعة القصصية "حاول مرة أخرى"، للكاتبة الإماراتية ميرة المنصوري، الصادرة عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، نقرأ من أجواء هذه القصص: " لاحظت التغيرات الجديدة عليه، بدأ صوته ينخفض كلما تحدث في الهات
أنت هنا
قراءة كتاب حاول مرة أخرى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مرت الأيام هادئة على أم ناصر، وكانت تقضي مع أحمد أمتع اللحظات.
كان أحمد حلو التقاسيم شعره أسود ينسدل على جبينه يتكلم بصعوبة ويتأتئ، وجهه كصفحة الماء الصافية، لا يخلو من ندبة قديمة.
قارب أحمد بلوغ الثالثة عشرة، والأم تمسك قلبها كلما ناداها أحمد.
في إحدى الأمسيات الهادئة، اقترب منها أبو ناصر وقبلها، وتودد إليها، صارحته بمخاوفها قالت له بقلق وخوف: إن أحمد قد بلغ الثالثة عشرة، وأنا خائفة عليه!!!
ردَّ أبو ناصر ضاحكاً تخافين عليه من الله!!!
ضمَّها أبو ناصر إلى صدره وقال لها في حب وحنان: نامي يا حبيبتي ولا تحملي هموماً لا تستطيعها الجبال. تميزت أم ناصر بالهدوء وملأت رائحتها الجميلة أرجاء البيت.
كانت الهالات الخضراء تزين جفونها بمسحة من الجمال حتى الحزن لم يزدها إلا جمالاً.
في إحدى الأمسيات الباردة دخل عليها أحمد وهي تمشط شعرها الذهبي الطويل، وعندما رأته تركت شعرها ينسدل خلفها وأخذته إلى صدرها ثم قبلته وقالت: ماذا تريد يا حبيبي؟.
أجابها: أريد أن أقبلك قبل أن أنام. ردت بحب: وأنا أيضاً أريد أن أقبلك وأضمك إلى صدري.
قال أحمد ما أجمل رائحتك يا أمي! كم أحبها! مسح برأسه على صدرها، شعرت الأم بإحساس غريب وخوف.
ترى ماذا سيأتي غداً؟
يا الله استر، لابد أنها مخاوف أم، هكذا قالت لنفسها.
لم تنم أم ناصر في تلك الليلة، أخذت الأحلام والكوابيس تراودها، استيقظت غير مرة وهي تصرخ، ثم ذهبت إلى حجرة أحمد المجاورة وجلست بجواره لتتحقق من سلامته.
كانت أنفاس أحمد تعلو وتنخفض في صورة هادئة، كان ينعم بنوم هادئ، قبلته على جبينه ودثرته بالغطاء الذي انحسر عنه. خرجت من الغرفة بهدوء وأغلقت الباب بلطف. وجدت زوجها عند الباب، قال لها بقلق: خير ماذا يحدث، أجابته: لا شيء أحببت أن أطمئن إلى أحمد وقد وجدته نائماً، قال الزوج: لا تقلقي يا حبيبتي، هيا عودي إلى النوم.
قالت: أنا خائفة على أحمد، إنني أتمنى أن أموت قبل أن أراه يموت أمام عيني أجابها: تفاءلوا بالخير تجدوه. أجابته بثقة وحزن إنني أشعر بدنو أجله، إنه إحساس أم؟!
أكملت حديثها قائلةً: يجب أن تخرج في الصباح الباكر وتشتري كفناً جديداً لأحمد.
أجابها غاضباً: هل جننت يا أم ناصر ماذا تقولين؟؟!! أجابته بصوت منخفض حزين: هذا ما سوف يحدث. ضمّها إليه وقال: أنا لا ألومك فقد تعرضت للكثير من الصدمات، هيا لننم فالبرد قارس هنا.
في الصباح الباكر استيقظت أم ناصر وذهبت إلى غرفة أحمد للاطمئنان إليه، وجدته يغط في نوم عميق هادئ حمدت الله، وشعرت بالارتياح. راودتها الأفكار لا بد أن ما تشعر به من قلق وخوف، ما هو إلا مجرد أوهام ، وصاحت قائلةً: إنك تخدعين نفسك يا مسكينة... استعاذت الأم من الشيطان.... قالت لنفسها... هل أنا في صراع مع نفسي؟ وكيف سنتفق أنا ونفسي؟ ولم الاستعجال؟ إن غداً لناظره قريب.
في المساء جلس أحمد وأم ناصر حول نار المدفأة يتدفآن بنيرانها إذ كان جو الشتاء بارداً عاصفاً.
كان أبو ناصر قد ذهب إلى المدينة لقضاء بعض الأعمال ولن يعود إلا بعد يومين، ووضع أحمد رأسه في حضن أمه وقال بصوت خافت: أمي. أجابته: ما بك يا حبيبي؟ قال: أمي أشعر أنني سأموت... تنهدت أم ناصر بحرقة وحزن وقالت بصوت باكٍ ماذا تقول يا حبيبي؟. أحمد: أمي أريد أن آكل عصيدة.... شعرت الأم بالدوار فأرادت أن تتمالك نفسها وأن تكون إلى جوار ابنها أحمد في لحظاته الأخيرة وبمجرد أن نضجت قالت في نفسها ليتها لا تنضج، وليت العمر يمضي وأنا أنتظر... على أن أفقد أحمد بعد ثوانٍ من نضجها. حاولت أن تتباطأ، ترددت قليلاً وهي تقول لنفسها لا لن أعطيه منها، ربما كانت سبباً لموته لا لن يذوقها، نادى أحمد: أمي... أين العصيدة أجابته بهدوء... وحزن..... ولكنها لم تنضج بعد.... وضع رأسه على الوسادة...
قالت أم ناصر لنفسها: لا لن أعيد الغلطة مرة أخرى، سأجاريه حتى آخر نفس، ربما كانت العصيدة التي يطلبها هي سبب موته. نهضت وجلست إلى جواره.... ووضعت رأسه في حضنها... وأخذت تمسح شعره الأسود الناعم... شعرت ببرودة أحمد... نادته أحمد... هل تشعر بالبرد؟. كان صوت أحمد قد اختفى ولم يعد يرى بعينيه الزائغتين الضائعتين في الظلام.....!!!!!
ملاحظة: القصة حقيقية.