أنت هنا

قراءة كتاب حاول مرة أخرى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حاول مرة أخرى

حاول مرة أخرى

المجموعة القصصية "حاول مرة أخرى"، للكاتبة الإماراتية ميرة المنصوري، الصادرة عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، نقرأ من أجواء هذه القصص: " لاحظت التغيرات الجديدة عليه، بدأ صوته ينخفض كلما تحدث في الهات

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

الأحلام

كانت هدى صديقتي وأختي وكل شيء بالنسبة إلي، قضيت معها أجمل أيام حياتي، كانت بقربي في كل مراحل دراستي من رياض الأطفال إلى الثانوية العامة كنت أنا وهدى نلبس الملابس نفسها، وننتعل الأحذية نفسها، كانت أسرة هدى تسكن إلى جوار منزلنا، ومن شدة ارتباطي بهدى أقامت أمي علاقة ودية مع أمها، يمضي الوقت سريعاً وأنا إلى جانب هدى نرسم معاً ونقرأ ونرقص ونسمع الموسيقى، ونتبادل الأحاديث والمزاح. أحببتها حباً لا يوصف ملأ كياني وأحاسيسي ومشاعري، تميزت هدى بالخلق والأدب مما قربها إلى نفسي إلى أبعد الحدود، لم أكن أشعر بالعالم من حولي إلا مع هدى، مرت السنوات وتقدمنا للدراسة الجامعية لندخل التخصص نفسه. حملت هدى بين جوانحها كل البراءة والحب والوفاء، فزانها جمال النفس قبل جمال الشكل، حلوة الملامح، لبقة يحبها من يخالطها اتصفت بالكرم وخفة النفس.
عندما دخلت المبنى الجامعي، أحبها كل من عرفها، لم يكن ما يجذبني إلى هدى جمالها وأناقتها وهدوؤها، ولكن تواضعها ولين جنبها يجعلانك تلاحظ الفرق بينها وبين الأخريات، كانت الجامعة تمتلئ بالطالبات المتعجرفات والمغرورات اللواتي يتفاخرن بأنسابهن ومظهرهن، أما هدى فكانت نموذجاً نادراً جداً فبالرغم من أنها كانت من أحسن الطالبات نسباً وحسباً إلا أنها كانت متواضعة لا تشعرك عندما تحادثك أنك أقل منها، ولا تنظر إلى غيرها من الطالبات باحتقار وازدراء كما يفعل الكثير منهن، اتسمت بالتميز حتى عندما كانت تدنو مني لتخبرني بسر ما، كان عطرها عجيباً رائحته باردة وزكية، بالرغم من أنها أعطتني من عطرها الخاص إلا أن رائحته ليست كما أشمه فيها، بشرتها رقيقة بيضاء كالثلج، شعرها أسود يضفي هالة من النور والجمال عليها، كنت دائماً أقول لها إن من سيتزوجك سيكون محظوظاً فأنت آية من الحسن والجمال، كانت ترد قد يكون زوجك يا سلمى.
في السنة النهائية أقامت الجامعة حفلة تكريم الطالبات المتوقع تخرجهن وكنت أنا وهدى من بينهن، أخذنا بالترتيب للحفلة استعداداً للتخرج ودخول عالم العمل، الكثير من الطالبات ذهبن إلى مركز التجميل ودقت ساعة الصفر واقترب اليوم المنتظر لتسليم الشهادات، استيقظت متأخرة فذهبت إلى المبنى الجامعي وأنا أجري، تسلمنا الشهادات وسألت عن هدى لم يشاهدها أحد. اتصلت بمنزلها لأسأل عنها قالوا إنها متعبة قليلاً في المستشفى وستخرج بعد يومين، قلقت بشأنها، إنها لم تنم في المستشفى منذ عرفتها، ماذا جرى؟.
تحاملت على نفسي حتى تسلمت شهادة هدى وشهادتي، خرجت مسرعة إلى المستشفى لأطمئن إليها، هالني ما رأيت. كانت هدى ملقاة على أحد جانبيها، والأنابيب تملأ أنفها كما وضعت أنابيب أخرى لتسمح للبول بالخروج، نظرت إلى عينها فأحسست بفرحتها عند رؤيتي. كان كل ما فيها عاجزاً عن الحركة حتى لسانها، سألت أمها ماذا يجري. قالت والدموع تجري على خدها لا أدرى يقولون جلطة. شعرت بالحزن العميق واعتصرتني مشاعر اللوعة والعجز، لقد تغير لون جسدها الأبيض الناعم إلى الأزرق. توجهت إلى ربي بالدعاء والتضرع، ياالله غفرانك ورحمتك، كيف يفقد الإنسان سنوات من الجهد والعطاء في لحظة، تمتمت في صوت خافت، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قدر الله وما شاء فعل، داومت على زيارة هدى لعلها تتحسن، فلا ييأس من رحمة الله إلا الكافر، دعيت لها بالشفاء وتضرعت لربي عسى أن يخفف عنها العذاب إما بالموت وإما بحياة غير هذه الحياة، أخذت في البكاء، الليل والنهار، وكلي عجب كيف حدث هذا بسرعة، مضت ثلاث سنوات تسلمت فيها الإدارة في إحدى الوزارات، وتزوجت، أنجبت ابنتي التي أسميتها هدى، وكنت أزور صديقتي المريضة من وقت إلى آخر، ذهبت لرؤيتها ذلك الصباح كانت كما عهدتها آخر مرة، وجدت أمها تحاول أن تضعها على الجانب الآخر، فهرعت لمساعدة أم هدى، فانزاح الغطاء عن جسدها الجميل، فقمت بتغطية جسمها، كانت تلك المرة الأولى التي أرى فيها هدى، فلم تكن تتكشف عند أي مخلوق، كانت حياتها ملأى بالحياء والمبادئ، ملأت الشقوق والقروح جسدها الجميل حتى رائحته تعفنت من كثرة الدمامل وفمها مليء بالزبد. يا الله ارحمها بالموت! ياالله ارحمها!
الجار الجديد
انتقلنا إلى المنزل الجديد بعد أن ودعنا سنوات من العمر في ذلك المنزل الذي شهد مراحل أبنائنا المختلفة، من ولادة فالطفولة، ثم الشباب.
حزنت كثيراً على فراق بيتنا الذي تهدم وأصبح من المستحيل البقاء فيه، وما زادني حزناً فراق جيراني الذين أحبهم، كانوا بقربي دائماً في أحزانى وأفراحي، إذا مرضت فهم يزورونني، وإذا مرضت فهم يهتمون بأمر بيتي وأبنائي. عشت بينهم وعاشرتهم، وخرجت عنهم ولم أسمع ما يحزنني منهم وما يجرحني، كانوا كرماء، أضفى الله عليهم نعمة الدين والخلق والحسن... كيف سأنساهم.
تمنيت من قلبي أن أجد جيراناً مثلهم عند انتقالنا إلى بيتنا الجديد، كان المنزل الجديد فخماً جميلاً واسعاً تعددت فيه الطوابق وكان يغطيه من الجوانب القرميد الأحمر الذي زاده جمالاً.

الصفحات